كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة
هم يفكرون كيف يبتكرون طرقاً للموت، ونحن نفكر كيف نبتكر طرقاً للحياة.
هم يفكرون كيف ينشرون الخراب في الأرض ويهدمون البلدان، ونحن نفكر كيف نعمر الأرض ونبني الأوطان.
هم يفكرون كيف يعودون إلى الماضي، ونحن نفكر كيف ننطلق نحو المستقبل.
هم يفكرون كيف يشيعون الجهل بين أتباعهم، ونحن نفكر كيف ننشر العلم بين أبنائنا.
إنهم الظلاميون أصحاب الرايات السوداء والصفراء وغيرهما من الألوان، يعمي شعاع الشمس أبصارهم، مثلما أعمى الحقد بصيرتهم، رغم ادعائهم الإسلام، واتخاذهم الشهادتين وآيات القرآن شعارا لهم، وهم أبعد ما يكونون عن الإسلام الصحيح، وعن الشعارات والآيات التي يرفعونها، لأنهم أشد الناس إضرارا بالإسلام، وأكبرهم تشويها له، وأكثرهم استعداء للبشر عليه، وتنفيرا للناس منه.
يتسمّون بأسماء تبدو في ظاهرها طاهرة ونقية، وهم في باطنهم أبعد ما يكونون عن الطهر والنقاء الذي يدعونه، لأنهم اتخذوا من الله ودينه الحنيف وسيلة لاستدرار عواطف الناس، واستلاب مشاعرهم، واستغلالهم لتنفيذ مآرب أبعد ما تكون عن الله ودينه الذي يدعو إلى الحب والسلام والتعايش بين البشر.
خالفت أقوالهم أفعالهم فعبرت عن سواد قلوبهم المسكونة بالحقد والكراهية للحياة، إلا حياة واحدة؛ هي حياتهم هم، كي ينشروا فكرهم الذي يعتقدون أنه وحده الحق..
وأن الباطل لا يأتيه من بين يديه ولا من خلفه، وكي يطبقوا شريعتهم التي يعتقدون أنها الشريعة الوحيدة التي يجب أن تطبق على الناس جميعا، وأن كل ما عداها باطل ومحض افتراء وبهتان مبين يجب أن يزيلوه من على وجه الأرض، حتى لو اصطبغ وجه الأرض باللون الأحمر، وسالت في أرجائها الدماء، ولم يعد فيها شبر إلا وفي باطنه قبر، ولا ممر إلا وقد جرى فيه من الدماء نهر.
بالأمس أحرقت «داعش» الطيار الأردني العربي المسلم معاذ الكساسبة حيا، فماذا كسب الإسلام بإحراق إنسان مسلم؟ وماذا أضاف للإسلام تصوير مشهد إحراقه ونشره بكل الوسائل؟
وماذا استفاد مدّعو الإسلام ورافعو الرايات السوداء ومقيمو الخلافة المزعومة من هذا الفعل الشنيع؟ وكيف سيواجهون ربهم الحق يوم القيامة، وهم الذين يزعمون أنهم جاؤوا لينصبوا ميازين العدل في الدنيا، ويقيموا الشريعة السمحة، وينشروا السلام بين البشر، مسلمين وغير مسلمين؟
لقد أضافوا إلى صورة الإسلام المزيد من السواد، بعد أن انتقلوا من مرحلة قطع الرقاب إلى مرحلة إحراق البشر أحياء، فكيف لنا بعد اليوم أن نتهم اليهود باختراع قصة المحرقة واستغلالها، وبيننا من يدّعي أنه يدين بديننا ويقوم بحرق مسلم مثله حيا، ثم ينشر مشهد إحراقه على الملأ ليقول للناس إن حرق الأحياء مشروع، حتى لو كانوا يدينون مثله بالدين الذي جاء لإكرام الإنسان الذي خلقه الله في أحسن تقويم، وأمر باحترامه حيا وميتا؟
لم يفعلها أشد الأعداء بالمسلمين، أولئك الذين يدعي أصحاب الرايات السوداء أنهم أكثر ضراوة، ولكن فعلها حملة هذه الرايات بمسلم يشهد أن «لا إله إلا الله» وأن «محمدا رسول الله» التي يزينون بها راياتهم.
أولئك الذين يحتكرون الإسلام لأنفسهم، ولا يرون مسلما حقيقيا على وجه الأرض سواهم، ولا يقيمون للإنسان وزنا، فماذا يمكن أن نتوقع من أصحاب فكر منحرف متطرف من تصرف سوى هذا وأمثاله مما لا يمكن أن يخطر على قلب بشر سويّ؟
اليوم تنطلق على أرض دولة الإمارات العربية المتحدة القمة الحكومية في نسختها الثالثة، بعد قمتين ناجحتين سابقتين، لتوجه إلى العالم أجمع رسالة فحواها أن الإسلام ليس «داعش» ومثيلاتها من التنظيمات الطائفية المتطرفة، من أي مذهب كانت، وفي أي بلد نشأت ونشطت، وعلى أي أرض استولت وتغولت، ولتؤكد للذين عميت بصيرتهم قبل أبصارهم أن المستقبل للذين ينظرون إليه بتفاؤل وأمل..
ويخططون له برؤية ثاقبة، أما أولئك الذين يرهنون مستقبلهم للماضي، ويحاولون إعادة عقارب الساعة إلى الوراء لعيدوا إنتاج عصور مضت عليها قرون من الزمن وأصبحت جزءا من التاريخ، حتى لم تعد صالحة لعصرنا هذا، فإن مآلهم إلى الفشل، مهما حققوا من نجاح يعتقد البعض أنهم حققوه، ساعدتهم ظروف معينة على تحقيقه، وغضت النظر عنه أطراف تدّعي الآن أنها تحاربه، حتى أصبح واقعا لا يمكن إنكاره.
في القمة الحكومية الثالثة ستتحدث قيادات سياسية إماراتية وعربية ودولية لها إنجازات ملموسة وبصمات واضحة في القيادة، كما سيتحدث رجال اقتصاد وخبراء ومفكرون، وستُعرَض تجارب متميزة في الخدمات الحكومية الإلكترونية والذكية، وسيُبحث مستقبل التعليم الذكي، ويُطرح للنقاش مستقبل الخدمات الصحية في ظل التقنيات التي ستؤثر على أسلوب هذه الخدمات..
وسنرى كيف ستتعرف مدن المستقبل على سكانها من منظور المدن الواعية التي يعدنا بها أصحاب الاختصاص العاملون في مختبرات المدن الذكية، وسيلتقي هنا عشاق الحياة من كل أنحاء الأرض، ليقولوا للجميع إن الحياة ستستمر، مهما حاول عشاق الموت أن يروجوا لصناعتهم، ويبتكروا لها أساليب جديدة، لينشروا الخوف بين البشر.
سوف تبحث القمة عناوين لا يعرفها هؤلاء الظلاميون الذين يحاولون إعادتنا إلى الوراء، كي يؤخرونا قرونا بأفكارهم المتخلفة التي تتعارض مع حركة الحياة، وكل ما تعارف عليه البشر عبر التاريخ، لأنهم يبتكرون طرقاً للموت لا يعرفها سواهم، بينما نبتكر نحن طرقاً للحياة لا يعرفونها هم، وشتان بين من يعمل لإشعال قبس يبدد العتمة، ومن يعمل لإغراق الكون كله في الظلام.
المصدر: البيان
http://www.albayan.ae/opinions/articles/2015-02-09-1.2307071