خاص لـ هات بوست:
في عام 1975 بدأت الأمم المتحدة بالاحتفال في الثامن من آذار كيوم عالمي للمرأة، بعد مطالبات استمرت عقود ناضلت خلالها النساء في بلدان مختلفة للحصول على المساواة في الأجور وحق الانتخاب وحق العمل والحصول على الامتيازات مقابل الكفاءة، وما زال هذا اليوم معتمداً وما زالت النساء تطالب بحقوقها، على تباين تلك الحقوق المسلوبة بين بلد وآخر ومجتمع وآخر، لا سيما حين تنهش الحروب مناطق عدة فيصبح أهلها يحلمون بحق العيش لا أكثر، وتصبح معاناة النساء على أشدها فلا تطلب المرأة إلا الحد الأدنى الذي يمكن أن تناله، وتغدو الأعباء المعتادة أشد ثقلاً، سواء من حيث التدبير المنزلي والعناية بالأطفال وتأمين طعامهم ولباسهم، أو من حيث أمورها الشخصية ومستلزماتها الصحية، عدا وهو الأهم ما يمكن أن تتعرض له من اعتداء جنسي أو تحرش.
وإذا كان الغرب ينشر ما بين حين وآخر فضائح التحرش والاتجار بالبشر، مشهرّاً بأبطالها، ننعم نحن بأخبار سبايا داعش، فنرى في مشهد سريالي نساء “الخليفة” يتحدثن عن سباياه بشيء من الأريحية، يغطين من خلالها ما يصيبهن من امتهان لا يرقى بالطبع، برأيي، لما أصاب “السبية” المسكينة.
بحثت عن الموضوع فوجدت فتاوى مختلفة، إحداها صادرة عن دار الإفتاء المصرية في عام 2015، تعتبر ما قامت به داعش “هو بيع للحرائر وتقنين للاغتصاب وإكراه على البغاء وحرابة وإفساد في الأرض ونقض لذمة الله تعالى”، ووجدت في المقابل فتاوى فردية تلف وتدور لتحلّ أسر النساء في الحروب أي “سبيهن” على اعتبار الأمر سنة، تناسى أصحابها موضوع الزمن، ومنطق التاريخ، فلم تمر عليهم السيرورة بل ظلوا في عصر مضى منذ أكثر من ألف عام، حيث كانت العبودية هي النظام الاقتصادي الأساسي في العالم.
أما رأي “المسلمين” عامة فهو الصيغة المعتادة من أن داعش لا تمثل الإسلام وهي صنيعة أجهزة المخابرات إلخ، ولسان حالنا جميعاً “ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا”، لكن الواقع يقول أن الشباب المنتمين إلى التنظيم كانوا مقتنعين بحلال ما يفعلونه، حتى زوجاتهم أيضاً، ونحن نعلم أن الظروف التي نشأت فيها داعش هذه، يمكن لها أن تتكرر في أي زمان ومكان، فتبدو من الضرورة مناقشة الأمر من قبل الهيئات الدينية بجرأة ووضع النقاط على الحروف، وإيجاد مخرج صريح وواضح لموضوع الأسر وملك اليمين، عدا عن علاقتنا اليوم بالأحكام المطبقة قبل قرون في ظروف تاريخية معينة، فأمهات كتبنا عامرة بأشكال وألوان من الفتاوى، إن صلحت لوقتها لن تصلح لوقتنا.
يبدو الأمر برمته مضحك مبكٍ، تخيلوا أننا بحاجة لمن يقول لنا أن الإسلام الذي نؤمن به لا يمكنه أن يقبل باغتصاب النساء تحت أي مسمى، وأن ما مورس سابقاً كان المنطق السائد للعصر، علماً أن المتمعن في كتاب الله يمكنه بسهولة استنتاج أن رسالة محمد (ص) جففت منابع الرق، فالأسرى يحتفظ بهم ويكرمون حتى التبادل أو يمن عليهم بإطلاقهم {فإما منا بعد وإما فداء} (محمد 4)، والعبيد الذين كانوا موجودين حينها تم التشجيع على تحريرهم، واستبدل الرق بنظام ملك اليمين أي عقود بالتراضي بين طرفين كأي عقود عمل حالية.
فإذا عدنا إلى عالم اليوم، ما زالت قوانين الأحوال الشخصية المعتمدة في أغلب بلداننا والمستمدة من “الشرع” في معظمها، لا ترقى لما ورد في كتاب الله، بل تعتمد على فتاوى أئمة أجلاء شرعوا ما رأوه مناسباً لأزمانهم لا لزماننا، سواء في الوصية والإرث أو أحكام الزواج والطلاق أوالقوامة والنشوز، لكن يبدو أن مجتمعاتنا وجدت في هذه الفتاوى ما يتلائم مع ذكوريتها فلم تر ضرورة لتغييرها أو النظر فيها، بل على العكس يعود الرجل إلى الإسلام حين يريد الزواج ثانية، ويتعرف الأخوة الذكور على الشرع حين توزيع الإرث.
علينا الاعتراف أننا بحاجة لإعادة النظر في ثقافتنا الموروثة، فقد اختلط الحابل بالنابل، وعم الغث حياتنا، وإن كانت نساء العالم تحتفلن بذكرى نيل حقهن الانتخابي فديننا قد منحنا حق الانتخاب منذ 1400 سنة {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ۙ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}( الممتحنة 12)، وخطاب رب العالمين لنا يلخصه قوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات 13)، فرغم الاختلاف لا أفضلية للذكر على الأنثى، بل كل منهما بحاجة للآخر لتكتمل الحياة.
خلاصة القول أن الإسلام دين راق يصلح للاستشهاد به في الأفعال المحترمة، حري بنا أن نسلط الضوء على ما فيه من قيم إنسانية، لا أن نجعل منه مرجعاً للإجرام أو للتخلف، وعلى النساء أن يعلمن قبل الرجال أن الله لا يقبل بظلمهن تحت أي ذريعة.
حين تصل النساء إلى نيل حقوقهن، ستنتفي الحاجة إلى يوم خاص بهن، إلا من قبيل الذكرى، أما الآن يبدو أن طريقنا ما زال طويلاً.