الخامس عشر من يوليو يوم مولد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، يمثل مناسبة لاستحضار مناقبه وإنجازاته الوطنية والعلمية والثقافية التي صنعت مجداً في الدولة وخارجها.
ويعتبر سموه رجلاً من الشعب وإلى الشعب. وهو شاعر وفارس وقائد حكيم، وأب وجد حنون، وحاكم في سباق التميز لا يعرف خط نهاية، ومبدع في تحويل الأحلام إلى حقيقة، حيث لا يقبل بأقل من الرقم واحد، فطموحاته تلامس عنان السماء، ورؤاه خارطة طريق لكل طامح إلى النجاح.
ولد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في الخامس عشر من يوليو عام 1949، وهو الابن الثالث بين أربعة أبناء للمغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وهم: الشيخ مكتوم، والشيخ حمدان، والشيخ أحمد. عاش الشيخ محمد طفولة سعيدة، وترعرع في كنف عائلة آل مكتوم، الحاكمة لإمارة دبي، وذلك في منزلهم الكائن في الشندغة، حيث أحاطه والداه وجده المغفور له الشيخ سعيد، حاكم دبي في ذلك الوقت، بكل الرعاية والحب.
اعتاد المغفور له الشيخ سعيد على عقد مجلسه اليومي على مقاعد خشبية قرب مدخل منزلهم في الشندغة. وأتاحت هذه الاجتماعات للشيخ محمد فرصة التعلم من خبرات جده الذي كانت تربطه معه علاقة حميمة، حيث غالباً ما كان يشاهد جالساً إلى جانبه.
وفي سن مبكرة تعلم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد فنون الصيد، ورياضة الصيد بالصقور. كما أخذ من والده أيضاً المهارات الأساسية للفروسية.
وبمجرد أن بلغ سموه الرابعة من العمر، أشرف والده على تلقينه مبادئ اللغة العربية، وتعاليم الدين الإسلامي. وبحلول عام 1955، التحق بالتعليم الرسمي في مدرسة الأحمدية، في منطقة ديرة، وتلقى تعليمه فيها. وفي العاشرة من عمره، انتقل سموه إلى مدرسة الشعب، وبعدها بعامين انتقل إلى مدرسة دبي الثانوية. وفي نهاية العام الدراسي 1964-1965، اجتاز الامتحانات الرئيسية للمنهج المدرسي.
في 9 سبتمبر عام 1958، توفي جده الشيخ سعيد، وإثر ذلك أصبح المغفور له الشيخ راشد حاكماً لإمارة دبي. ومن أكتوبر 1958، بدأ الشيخ راشد باستعدادات جدية لإعداد أبنائه بالمهارات اللازمة لتولي مسؤولية الحكومة في المستقبل.
وكان الشيخ راشد يؤمن بأن شخصية ولده الشيخ محمد تصلح بشكل أمثل لإدارة المطالب الأمنية المتزايدة في الساحتين الخارجية والداخلية.
وفي أغسطس 1966 سافر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد إلى لندن للالتحاق بمدرسة «بل» للغات في كامبردج.
وبسبب سمعتها العالمية، ضمت مدرسة «بل» للغات مجموعة واسعة من الأفراد من مختلف الجنسيات والثقافات، مما أتاح للشيخ محمد فرصة التعرف والاختلاط بثقافات متنوعة. ولإعداده لدوره المستقبلي في حكومة دبي، التحق الشيخ محمد بكلية مونز العسكرية البريطانية في آلدرشوت، والتي هي الآن جزء من أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية.
تلقى الشيخ محمد أشد التدريبات العسكرية في الجيش البريطاني، وتمت ترقيته إلى ملازم تحت الاختبار، ثم منح «سيف الشرف» لنيله أعلى درجة في تخصصه.
وعندما عاد الشيخ محمد لدبي في عام 1968، عيّنه الشيخ راشد رئيساً لشرطة دبي والأمن العام. وكان هذا أول منصب عام يتقلده.
وإضافة إلى ذلك، تم تعيين الشيخ محمد وزيراً للدفاع، وأصبح بذلك وزير الدفاع الأصغر في العالم.
وفي يوم 18 أكتوبر 1968، في مخيم صحراوي، التقى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حاكم إمارة أبوظبي آنذاك، مع المغفور له الشيخ راشد، حاكم دبي حينئذ، لبحث إمكانية تأسيس اتحاد بين إماراتي أبوظبي ودبي.
رافق الشيخ محمد والده إلى ذلك الاجتماع، وقال إنه لا يزال يتذكر الكلمات القليلة التي استهلت إنشاء دولة الإمارات العربية المتحدة في 2 ديسمبر 1971.
وبالفعل في 2 ديسمبر 1971، اجتمع حكام إمارات أبوظبي، ودبي، والشارقة، وعجمان، والفجيرة، وولي عهد أم القيوين نيابة عن والده الحاكم، في قصر الشيخ راشد في منطقة الجميرا ـ دبي، حيث وقعوا على دستور مؤقت ينظم إنشاء دولة الإمارات العربية المتحدة.
وعلى الرغم من أن الشيخ محمد كان أصغر وزير للدفاع في العالم، استطاع فقط خلال أقل من اثني عشر شهراً، تدبر مسؤوليات خطرة أسندت إليه داخلياً وخارجياً.
وفي عام 1976، قامت القوات المسلحة لدولة الإمارات بأول مهمة دولية لها، عندما أمر الشيخ محمد بإرسال قوات إماراتية مسلحة إلى لبنان للانضمام إلى قوات الردع العربية في مهمة لحفظ السلام.
وفي 25 أغسطس عام 1977، أعلن الشيخ راشد عن تشكيل لجنة برئاسة الشيخ محمد، لإدارة مطار دبي. وبالتالي أسهمت إدارة الشيخ محمد في وضع إمارة دبي كمركز للطيران الدولي، والجذب السياحي.
وفي هذا المجال تبنى الشيخ محمد اتفاقية الأجواء أو السماوات المفتوحة، وأرسى القواعد الأساسية للقطاع السياحي الذي ازدهر بشكل لافت خلال التسعينات.
خلال تلك الفترة، تناول الشيخ محمد أيضاً الملف النفطي لإمارة دبي، وكان ذلك أحد أكثر المهام الحساسة في حكومة دبي، لاعتمادها على تصدير النفط كأهم ركيزة اقتصادية.
وفي عام 1985، تولى صاحب السمو الشيخ محمد مسؤولية المنطقة الحرة في جبل علي، وهي منطقة صناعية يعززها ميناء جبل علي.
وكان لمجالس الشيخ محمد نفس الوقع والتأثير والأهمية التي ميزت مجلس والده المغفور له الشيخ راشد. ولعبت دولة الإمارات، بتوجيهات من المغفور له الشيخ زايد، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد دوراً مهماً في الجهود المبذولة لإرساء السلام، وتقديم المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك البوسنة، والصومال، وكوسوفو.
وفي 3 يناير 1995، قام الشيخ مكتوم، حاكم إمارة دبي في تلك الفترة، بالتوقيع على مرسوم يقضي بتعيين الشيخ محمد بن راشد في منصب ولي عهد إمارة دبي. وكان لهذا التعيين آثار هائلة في تحويل دبي إلى مركز تجاري وسياحي عالمي، حيث أطلق سموه العديد من المبادرات والمشاريع الريادية التي تسهم في تطوير دبي وازدهار مستقبلها.
وفي عام 1995، أعلن الشيخ محمد عن مشاريع بنى تحتية للاقتصاد الرقمي الجديد، وأطلق مبادرة الحكومة الإلكترونية.
وفي أواخر 1995، أعلن الشيخ محمد إطلاق مهرجان دبي للتسوق، لتعزيز مركز دبي كوجهة عالمية للتسوق والترفيه. وفي إبريل 1998، تم افتتاح مبنى الشيخ راشد، الذي مثل إنجاز المرحلة الأولى من خطة حكومة دبي لتوسعة مطار دبي الدولي، بتكلفة تقدر بـ540 مليون دولار أمريكي.
وكان من أجرأ المشاريع التي تبنّاها سموه في دبي، تشييد فندق برج العرب الذي يعتبر رمزاً لدبي العصرية، وأيقونة عالمية للفخامة والجمال. أنشئ الفندق على جزيرة اصطناعية تبعد مئة متر عن شاطئ البحر في دبي.
وفي 11 مايو 1999، أعلن الشيخ محمد عن مبادرة تحويل حكومة دبي إلى حكومة إلكترونية بالكامل خلال فترة 18 شهراً، مما من شأنه أن يميز دبي كأول حكومة إلكترونية بشكل كامل في العالم.
وفي 29 أكتوبر 1999، أعلن الشيخ محمد عن مبادرة مدينة دبي للإنترنت، وحدد موعداً أقصى لإنجازها لا يتعدى 365 يوماً.
وشملت المبادرة بنية تحتية وبيئة ونمطاً يمكن الشركات الجديدة من مزاولة أعمالها من دبي بميزة تنافسية كبيرة. كما أسهم الشيخ محمد وأسرته في إنشاء مناطق حرة أخرى مثل مدينة دبي للإعلام (الموقع باللغة الإنجليزية)، ومركز دبي المالي العالمي (الموقع باللغة الإنجليزية)، ومدينة دبي الطبية، وقرية المعرفة، ومشروع دبي لاند، وغيرها.
وفي أوائل 2001 أعلن الشيخ محمد عن أضخم المشروعات السياحية قاطبة، وهو «مشروع جزيرة النخلة» والتي شُيدت على جزر اصطناعية تأخذ شكل النخلة.
وفي مايو 2001، أكد سمو الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم، رئيس مجلس إدارة مجموعة الإمارات، أنه بناء على توجيهات من صاحب السمو الشيخ محمد، تعتزم دولة الإمارات شراء 60 هيكلاً جديداً للطائرات بقيمة 10 مليارات دولار أمريكي.
وفي الرابع من يناير عام 2006، تولى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ولاية الحكم في إمارة دبي، بعد رحيل أخيه الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم.
وفي الخامس من يناير 2006، انتخبه أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى، حكام الإمارات، نائباً لرئيس الدولة، ووافقوا على اقتراح صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، بتكليف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد رئاسة مجلس الوزراء، وتأليف حكومة جديدة تم الإعلان عن تشكيلها في التاسع من فبراير/شباط 2006.
الشيخ محمد بن راشد شاعراً
بدأ الشيخ محمد في نظم الشعر النبطي وهو لا يزال بعدُ في المدرسة، وكان أكثرَ مَن تأثّر بهم في تطور هذه الموهبة الشعرية لديه هما أبوه الشيخ راشد، والشيخ زايد رحمهما الله.
وعندما نشرت قصائد الشيخ محمد لأول مرة في الصحف، ظهرت بأسماء مستعارة عدة بما في ذلك نيداوي وسليط، حيث أراد سموه التأكد من أن الناس معجبون حقاً بشعره، وأن الصحف تنشر شعره ليس فقط لأنه فرد من الأسرة الحاكمة.
وحالياً، يعتبر سموه واحداً من أحسن ناظمي الشعر النبطي، ويتم نشر أعماله باسمه. وحلت مجموعة شعرية من قصائده مترجمة إلى اللغة الإنجليزية باسم «قصائد من الصحراء» في قوائم أفضل الكتب مبيعاً لأكثر من عامين على التوالي.
وقد أتاح الشعر للشيخ محمد إظهار الجانب الإبداعي والحساس لسموه، والذي لا تتاح له الفرصة الكافية لذلك في ساحة العمل السياسي. وتغطي قصائده مجموعة واسعة من المواضيع، من الرومانسية إلى الشؤون الراهنة وغيرها.
كما شجع سموه الآخرين على نظم الشعر النبطي من خلال الأحجيات المتضمنة في قصائده، حيث يقوم بتأليف قصيدة تضم العديد من الأسئلة، خلافاً لطريقة لغز السطر الواحد التقليدي في الثقافات الغربية، ويدعو الناس للإجابة عنها.
الشيخ محمد بن راشد فارساً
يشتهر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بحبه العميق للخيول وتعلقه بها. وكفرد من واحدة من الأسر المعروفة في منطقة الخليج العربي، كان من الطبيعي أن يتعلم الشيخ محمد مبادئ الفروسية منذ سن مبكرة بتشجيع من والده الشيخ راشد بن سعيد رحمه الله، وكان أشد إخوته حباً وولعاً بها. وقد قال سموه عن الفروسية: «حب الخيول يجري في عروقي، وإنّ القبائل العربية تُمارس تربية الخيول منذ قرون، وركوب الخيل أكثر من مُجرد اعتلاء ظهر الجواد، فهو نُبْل وفروسية».
وكان أول حضور للشيخ محمد لسباقات الخيل في عام 1967، في إنجلترا. وشهد سموه هو وشقيقه الشيخ حمدان فوز المهر رويال بالاس بسباق 2,000 غينيس. وبعد عشر سنوات من ذلك التاريخ، استهل سموه مسيرته الخاصة في سباقات الخيل العالمية عن طريق المهرة «حتا» التي أهدت سموه انتصاره الأول بالسباقات في مضمار برايتون بإنجلترا.
ونما شغف الشيخ محمد وتطور إلى استثمارات ضخمة في تربية الخيول، وأسفر عن تأسيس سموه لأعظم فريق في سباقات الخيل العالمية، ألا وهو فريق جودولفين. واستطاع سموه من خلال هذا الفريق تطبيق أفكاره ورؤيته في رياضة الفروسية، وأظهر للعالم حب سموه وشغفه الكبير بهذه الرياضة.
وترافق نجاح وتطور فريق جودولفين مع تعزيز دبي لمكانتها كوجهة عالمية. وفي الوقت الذي تأسس فيه الفريق، كان من الشائع خوض سباقات الخيل فقط في القارة التي ينتمي إليها ملاك هذه الخيول، بينما أراد الشيخ محمد لخيوله خوص السباقات في جميع أنحاء العالم، وشجع الآخرين على أن يحذوا حذوه.
وتم إطلاق كأس دبي العالمي أغلى سباق للخيل في العالم، تعزيزاً ودعماً لتحقيق هذا الهدف. وفاز الحصان الأمريكي سيجار بكأس الدورة الأولى لهذه السباقات. ولايزال السباق يجتذب مشاركين من جميع أنحاء العالم.
وحظي الشيخ محمد بتقدير عالمي كمالك للخيول، وحصل على جائزة اكليبس الخاصة في مجال الخيول عام 2001.
ويعتبر سموه من الفرسان الموهوبين والمتميزين، وفاز بالعديد من منافسات سباقات التحمل الدولية (الموقع باللغة الإنجليزية)، إضافة إلى شهرته في سباقات الخيل التقليدية. ويشتهر سموه بتخطيطه الاحترافي، حيث كيف ومتى يستغل طاقة وقوة الخيول في السباقات.
ويتولى الشيخ محمد قيادة الفريق الوطني، وفرسان الإمارات هم أفضل الرياضيين على مستوى العالم في هذه الرياضة. وقاد سموه فريق الإمارات للفوز بـ«بطولة الأمم الأوروبية» عام 1999 في إسبانيا والبرتغال، كما قاد الفريق عند احتفاظه باللقب في إيطاليا عام 2001. ويعتبر سموه من أبرز الشخصيات المشاركة في حملة لإدراج سباقات القدرة في الألعاب الأولمبية الرسمية.
الشيخ محمد والتواصل مع الناس
يعتبر سموه رجلاً من الشعب وإلى الشعب. ويطلق بانتظام جلسات حوارية واستشارية عبر الإنترنت أو بشكل مباشر مع الجمهور، وأعضاء حكومته. ويمتلك الشيخ محمد قاعدة كبيرة من المتابعين في حساباته الرسمية على وسائل التواصل الاجتماعي على «فيسبوك»، «وتويتر»، و«إنستجرام»، ويعتبر من الرواد في تطبيق المشاركة الإلكترونية.
المصدر: الخليج