ياسر الغسلان
ياسر الغسلان
كاتب و مدون سعودي

٦على ٦ لكن فاقد للبصيرة

آراء

لا يمكن النظر لمعظم ما يثار من أفكار سياسية واجتماعية في هذا العصر، إلا باعتبارها “وجهة نظر”، وهي العنوان الذي سميت به إحدى أشهر مسرحيات النجم المصري المسيّس جدا “محمد صبحي”، التي تحكي قصة مجموعة من فاقدي البصر، المحتجزين بإرادتهم في دار خيرية للعميان. اللعب بالألفاظ بين اسم ذلك العمل الفني وطبيعة شخوصه، هي رمزية ربما نفهمها اليوم أكثر من ذي قبل، في هذا العالم الذي أصبح للجميع متنفسا للتعبير عن وجهة نظره في وقت تتضح حقيقة عمى البصيرة لدى الكثيرين رغم عيونهم الشاخصة ونظرهم الـ٦على ٦.

فكرة وجهة النظر هذه تختلط في كثير من الأحيان في ذهن البعض، فيعتقد أن وجهة نظره حقيقة لا تقبل الجدال، أو أمر مسلم به ومثبت، علما أنها تبقى وفي تركيبتها الأولى مجرد رأي فردي، يؤيده البعض ولا يمكن إثباته بالطرق المحايدة، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بمتغيرات الإنسان الحياتية والاجتماعية أو تقلباته الشخصية.

في كتاب صغير جدا للكاتب “بول آردن” بعنوان “كيفكما فكرت.. فكر العكس” يتحدث عن أشكال وجهات النظر ويقول: إن ثمة وجهة نظر تقليدية أو رائجة، ووجهة نظر شخصية، وأخرى معمّمة تتشاركها الأغلبية، ورابعة محدودة لا تتشاركها سوى القلة، إلا أنه رغم تنوع تلك الوجهات يرى أن لا وجهة نظر في نهاية المطاف “صائبة”.

ويعلل في توصيف جدا بسيط، ولكنه يشرح بجلاء، فالإنسان في هذا الخليط من وجهات النظر يكون على حق فيما يراه، وهو كذلك يكون مخطئا فيما يعتقده، موضحا ومرجعا هذا التناقض للقطب الذي ينظر إليه الإنسان لتلك الوجهة.

عندما دعى الفلاسفة للأفكار الإنسانية الأولى، كانوا دائما يخضعون تلكم الآراء لاختبارات التأمل والتفكير والدراسة والسفسطة، في محاولة لكشف مواطن الضعف في عملية إخضاع عسيرة لوجة النظر، بهدف تحويلها لفكرة مثبته منطقيا وعلميا، إلا أن فلاسفة العصر الحاضر من مفكري الـ”تيك أوي” يسعون بسذاجة لتحويل فكرة “وجهة النظر” هذه لمسلمات، رغم افتقارها لأبسط آليات الإثبات، وعملوا على إيصال بعضها لمراتب قد يخال للبعض أنها تلامس القدسية.

لنتذكر أن الآراء الأقرب للصواب، هي تلك التي تنتج عن التفكير والتجربة والسؤال والإثبات المحايد، وليست تلك التي تنتج عن الأنا المتضخمة والعناد وتصفيق الجماهير.

المصدر:الوطن أون لاين