يرى أستاذ علوم الكمبيوتر في جامعة «كولومبيا» الأميركية، شيرى نايار، أن الكاميرا قطعة فريدة بين الأجهزة التقنية الأخرى؛ لأنها تتيح التعبير عن النفس، والتواصل مع الآخرين بطريقة فعّالة للغاية، كما أن التصوير الفوتوغرافي ــ باختلاف الأدوات المستخدمة فيه ــ يجمع بين الفن والعلم. وقد دفعته هذه الرؤية ضمن أسباب أخرى، لابتكار كاميرا للأطفال تحمل اسم «بيغ شوت».
وتصحب «بيغ شوت» مستخدميها من الأطفال، وسط عالم العلوم والفنون والثقافة، إذ يتطلب استخدامها جمع أجزائها وفق تسلسل معين، بمساعدة دليل متاح على الإنترنت، وتكشف كل قطعة يتعامل معها الطفل، عن أحد المفاهيم العلمية.
وباكتمال الكاميرا، يبدأ الطفل في التقاط صور لعالمه، تُوضح رؤيته له وللأحداث المحيطة، كما يمكن أن يشاركها عبر موقع كاميرا «بيغ شوت» لتجتمع مع صور التقطها أطفال آخرون ينتمون لثقافات ومجتمعات أخرى حول العالم.
حالياً، يبدأ تعرف الأطفال الى التقنيات الحديثة في مرحلة مبكرة للغاية، حتى إن بعضهم يتعامل مع الهواتف وأجهزة الكمبيوتر قبل أن يجيد الكلام، وينجذبون إلى الألعاب والصور والألوان، إلا أنه غالباً ما يتعاملون معها باعتبارها منتجات جاهزة مغلقة، دون أن يستكشفوا مكوناتها وطريقة عملها، وهو ما يأمل «نايار» والقائمون على كاميرا «بيغ شوت» أن يتغير قليلاً، وأن يتعلم الأطفال بعض أسس العلوم، كما سيُعزز تركيبهم لأجزاء الكاميرا من ثقتهم بأنفسهم.
وأشار «نايار» إلى رغبته في لفت نظر الأطفال إلى طريقة بناء الأجهزة والعمل اليدوي، بدلاً من التركيز على تعليم البرمجة، قائلاً: «في عصر تسود فيه البرمجيات، أود أن أعلم الأطفال كيف يبنون الأجهزة».
وأضاف أن «تركيب الكاميرا يشرح للأطفال مفاهيم يتعرض لها طلبة الجامعة، إلا أنهم يحاولون تبسيطها لتلائم طفلاً في الثامنة أو الـ 10 من عمره، ليتعرف الى موضوعات مثل معالجة الصور، والإلكترونيات، والتقنيات المستخدمة في الشاشات».
ولأنها مصممة للأطفال، تأتي كاميرا «بيغ شوت» بألوان عدة مُبهجة تلائم الأطفال، مثل الأحمر والأصفر والأزرق، كما تتميز بذراع يدوية تسمح بالتقاط الصور عند نفاد البطاريات الجافة، وعجلة دوّارة بثلاث عدسات تتيح الاختيار بين التقاط صور عادية، أو «بانورامية» أو ثلاثية الأبعاد، فيما يعرض الجزء الخلفي الشفاف، المعالج الصغير والأجزاء الداخلية خلال عملها.
ومع تعامل الطفل مع كل قطعة، يشرح دليل التركيب على الإنترنت، المغزى وراء تسلسل القطع ووظيفتها، كما يتعلم الطفل موضوعات عدة، مثل وحدة قياس «البيكسل»، وسبب انكسار أشعة الضوء عند مرورها خلال جسم شفاف، وكيفية تحول الطاقة الميكانيكية إلى طاقة كهربائية، كما يقارن بين وظائف العين البشرية والعدسات الثلاث المتاحة في الكاميرا.
وفضلاً عن شرح كيفية تركيب الكاميرا، فإن موقع «بيغ شوت» يتضمن اختبارات وأسئلة حول التصوير، كما يمكن للأطفال أن يشاركوا من خلاله صورهم، ليكون بمثابة موقع «فليكر» خاص بهم، يشاركون ويشاهدون فيه صوراً لثقافات وشعوب أخرى. وبحسب «نايار»، فإن فكرة الكاميرا لم تكن مجرد تصنيع لعبة، بل تطوير منصة للتعليم عبر مجتمعات متعددة.
واستلهم «نايار»، الذي تركز أبحاثه على تطوير الكاميرات، فكرة «بيغ شوت» بعد مشاهدته لفيلم «ولدوا في بيوت الدعارة: أطفال كلكتا في الضوء الأحمر» الذي حاز جائزة «أوسكار» لأفضل فيلم وثائقي في عام 2004، وعرض مشاهد التقطها الأطفال بأنفسهم لحياتهم بكاميرات حصلوا عليها للمرة الأولى، ما أكد لـ«نايار» فكرته عن أهمية الكاميرات وإمكانية أن تُسهِم في تغيير حياة الطفل.
وبدأ «نايار» العمل مع مجموعة من طلبة جامعة «كولومبيا» منذ عام 2006، وحصل على دعم من شركة «غوغل» ووزارة الدفاع الأميركية، وطور نماذج أولية عدة أرسلها لأطفال في الهند، واليابان، وفيتنام، والولايات المتحدة، واستعان بآرائهم لتحسين التصميم.
ولا ينكر «نايار» وجود كاميرات أخرى صديقة للأطفال، تنتجها شركات، مثل «في تيك»، و«فيشر برايس»، و«فيفيتار»، وجميعها أقل سعراً، وتتيح دقة تصوير تفوق «بيغ شوت» التي تصور بدقة (3) ميغابيكسل فقط، لكنه يرى أن «بيغ شوت» تقدم شيئاً مختلفاً، فيقول: «أعتقد أنها تقدم تجربة تتضمن التعلم عن طريق البناء، ثم استخدامها للتصوير، وأخيراً مشاركة الصور مع أطفال من مجتمعات أخرى، وهذه هي التجربة برمتها».
وبدأت شركة «إديو ساينس» المتخصصة في الألعاب التعليمية في هونغ كونغ بتصنيع الكاميرا، وستدفع جانباً من عائدات المبيعات إلى «نايار» نظير حقوقه الفكرية، فيما يعتزم الأستاذ الأميركي الاستفادة من جزء من العائدات، بالتبرع بكاميرات «بيغ شوت» للأطفال المحتاجين حول العالم.
وطرحت «إديو ساينس» الكاميرا في أسواق أميركا الشمالية أغسطس الجاري بسعر 89 دولاراً 327) درهماً (، كما يمكن شراؤها من موقعها على الإنترنت.
ولفت «نايار» إلى أن الوصول بالكاميرا إلى هذا السعر مثل تحدياً حقيقياً، لافتاً إلى أنه «على عكس الكاميرا العادية التي يمكن أن تلتقط بها الصور مباشرة، ولا تهتم بأجزائها الداخلية، فإنه يجب أن تكون كل قطعة يتعامل معها الطفل آمنة، وتعلمه مفهوماً محدداً”.
وكان من أوائل المشترين «مركز تعليم الفنون»، وهو منظمة غير ربحية تعمل على تحسين برامج تدريس الفنون في المدارس العامة بمدينة نيويورك الأميركية.
واشترى المركز 50 كاميرا «بيغ شوت» لتوزيعها على مجموعة من الطلاب في سبتمبر المقبل، وفي حال نجاح التجربة، يعتزم المركز شراء 950 كاميرا أخرى، ومنحها للطلاب قبل نهاية العام الدراسي في يوليو من عام 2014.
وعلق مدير المركز، جيري جيمس، على التجربة بقوله إنه «من خلال استخدام كاميرات (بيغ شوت) والتقاط صور فنية، فإن الأطفال يجمعون بين الفنون والعلوم والتقنية والهندسة بوسائل لم تكن حقاً متاحة من قبل».
وأضاف أن استخدامها يُعد التلاميذ للدراسة في الجامعة ولمستقبلهم المهني، كما أنها تعلمهم أشياء كثيرة في آنٍ واحد.
ويتزامن إطلاق «بيغ شوت» مع انخفاض مبيعات آلات التصوير الرقمية، نظراً للإقبال على الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر اللوحية التي تتضمن كاميرات.
وبحسب «اتحاد الكاميرات ومنتجات التصوير» في اليابان، تراجعت شحنات الكاميرات بنسبة% 47 خلال النصف الأول من عام 2013 مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي.
إلا أن منظمة مهرجانات «يونغ ريويرد ستيت» لبرمجة التطبيقات والمواقع لمن تقل أعمارهم عن 18 عاماً، إيما مولكيني، تعتقد أن «بيغ شوت» تملأ فراغاً كبيراً في السوق، كما تعتقد أن طرح الكاميرا في الأسواق وفي مجال المشروعات الاجتماعية، سيجلب لها إعجاب وحب رواد الأعمال في المستقبل.
وتتشابه كاميرا «بيغ شوت» مع كمبيوتر «راسبيري باي» من حيث استخدامهما بهدف تعليم الصغار، وطُرح الكمبيوتر في الأسواق العام الماضي، وجرى تطويره في جامعة «كامبريدج» البريطانية لأغراض تعليمية، وهو كمبيوتر صغير يقترب حجمه من بطاقة الائتمان بكلفة تبلغ نحو 25 دولاراً.
ورحب المؤسس المشارك لمشروع «راسبيري باي»، أبين أبتون، بفكرة الكاميرا، قائلاً :«لقد مثل حماس الأطفال لمشروعات الأجهزة مفاجأة حقيقية بالنسبة لي منذ إطلاقنا لـ)راسبيري باي) »، مشيراً إلى إعجابه بقدرة الفريق على توفير الكاميرا في الأسواق من دون اللجوء إلى تمويل جماعي.
المصدر: الإمارات اليوم