أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أن «مصر نموذج للحضارة العربية والإسلامية وهي دولة تنبذ العنف والإرهاب والتطرف وتعزز الأمن والاستقرار الإقليمي وتحترم جوارها وتدافع ولا تعتدي وتقبل وتحترم الآخر». وقال السيسي في كلمته التاريخية في افتتاح أعمال مؤتمر «دعم وتنمية الاقتصاد المصري – مصر المستقبل» الذي استضافته مدينة شرم الشيخ، أمس، بمشاركة عدد من قادة الدول ورؤساء الحكومات وكبرى شركات ومؤسسات المال والأعمال في العالم، إن «مصر تعد خط الدفاع الأول ضد كثير من الأخطار». في حين أعلنت الدول العربية المشاركة في المؤتمر عن تقديم حزمة مساعدات عاجلة للقاهرة تقدر بنحو 12.5 مليار دولار من الكويت والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان.
واستهل الرئيس المصري كلمته في المؤتمر، بتثمين المواقف المهمة للمملكة العربية السعودية، قائلا: «لقد وجدت مصر دوما من أشقائها العرب مواقف تبرهن على أخوة حقيقية وصداقة وفية.. وما اجتماعنا (اليوم) إلا نتاج خالص لجهد صادق بذله المغفور له بإذن الله جلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز من خلال دعوته الكريمة لعقد هذا المؤتمر. وليس غريبا على المملكة تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، أن تكون تلك هي مواقفها المشرفة إزاء أشقائها.. فذاك نهج صاغه ملكها المؤسس وسار على خطاه الكريمة ملوكها الأجلاء».
وقال السيسي: «أتقدم بوافر الشكر وخالص التقدير للجهود الدءوبة والمقدرة التي تبذلها دولة الإمارات العربية المتحدة بقيادة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، والممثلة بالحضور الكريم للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس الوزراء حاكم دبي، من أجل المساهمة في نهوض مصر وتحقيق الرخاء لشعبها.. وأقول لقيادة وشعب الإمارات الشقيقة إن الشعب المصري لمس صدق مشاعركم وأحس بجدية التزامكم إزاء اقتصاد مصر».
أما دولة الكويت الشقيقة، فقال الرئيس المصري: «إن الأفعال كانت دائما تسبق الكلمات للتدليل على علاقاتها الوثيقة ودعمها المستمر لمصر وشعبها، وما تشريف الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح لهذا المؤتمر إلا تعبير عن إيمانه ودولته الشقيقة بقيمة التضامن العربي.. ولا يفوتني في هذا المقام أن أعرب عن الشكر والتقدير لجلالة العاهل الأردني وجلالة ملك البحرين لوقوفهما الدائم بجانب مصر وشعبها، والذي يعكس عمق علاقات بلديهما مع مصر التي وجدت منهما كل الدعم والمساندة، وكل الشكر والتقدير لكافة أشقائنا ملوك ورؤساء الدول العربية الذين نسعد بتشريفهم أو من أنابوا ممثلين عنهم».
وتابع السيسي بقوله: «إن ترجمة معاني تلك المشاركة إلى استثمارات مشتركة تحقق المنافع المتبادلة لكافة الأطراف لا تقتصر فقط على كونها مساهما أساسيا في تحقيق النمو والتقدم الاقتصادي، وإنما تمتد لتشمل أبعادا أعمق ومعاني أسمى، إذ تساهم بلا شك في تحقيق العدالة الاجتماعية وتقليل التفاوت بين شرائح المجتمع، فضلا عما تسهم به من توفير فرص العمل وتشغيل الشباب».
وأكد السيسي أن مصر تسير بخطى واثقة وعلى كافة المسارات والأصعدة، لتحقق نموا متوازنا وعادلا يصب في صالح بناء دولة عصرية لا تحوز مكانتها فقط من عظمة ماضيها وعراقة تاريخها؛ بل تفخر بصناعة حاضرها، وترنو بأمل وتفاؤل نحو مستقبل واعد لأبنائها، فتقدم بذلك نموذجا للحضارة العربية والإسلامية بقيمها السمحة الحقيقية، دولة تنبذ العنف والإرهاب والتطرف.. دولة تعزز الاستقرار والأمن الإقليمي، تحترم جوارها، تدافع ولا تعتدي، تقبل وتحترم الآخر، وتؤمن بأن اختلافه معها وسيلة للتعارف وإثراء للحضارة الإنسانية»، لافتا إلى أن شعب مصر وعلى مر التاريخ ساهم بفاعلية في الدفاع عن وطنه وأمته العربية والإسلامية، فكانت مصر ولا زالت خط الدفاع الأول عن الكثير من الأخطار التي أحدقت بالمنطقة، مضيفا: «إن الاقتصاد المصري لا يكتفي بما يتم إنجازه من مشروعات عملاقة؛ بل يقوم على رؤية واضحة وتوجه حر، يدعم اقتصاد السوق الذي يؤمن بدور القطاع الخاص في سياق بيئة اقتصادية مستقرة، وفي هذا الإطار وضعت مصر استراتيجية للتنمية المستدامة بعيدة المدى حتى عام 2030 تهدف إلى بناء مجتمع حديث وديمقراطي».
واستعرض الرئيس المصري المحاور الأساسية لتحقيق التنمية، تضمن استعادة استقرار الاقتصاد الكلي للدولة، وتحسين بيئة الاستثمار والعمل على جذب الاستثمارات، وتحقيق التنمية من خلال المشروعات القومية والخطط القطاعية الطموحة في مختلف المجالات.
وفي كلمته بالمؤتمر، أكد الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير دولة الكويت، «إننا نلتقي (اليوم) في ظل ظروف وتحديات كبيرة على المستويات الإقليمية والدولية سياسية واقتصادية تضاعف من أهمية هذا المؤتمر لما يمثله من فرصة لتناول أحد أهم الاقتصاديات في الوطن العربي، لبحث واستكشاف فرص الاستثمار الواعدة والإجراءات التي تم اتخاذها في مصر لجذب الاستثمارات، لافتا إلى أن المشاركة الواسعة لعدد كبير من دول العالم يعكس المكانة الكبيرة التي تحظى بها مصر في المحيط الإقليمي والعالمي والاهتمام الذي توليه دول العالم لها بعد أن منحها الله نعمة الأمن والاستقرار بعد الجهود التي يقوم بها رئيس مصر وحكومته».
وأضاف أمير الكويت أن فكرة عقد هذا المؤتمر تعكس القيادة الحكيمة وبعد النظر لطبيعة الظروف التي تمر بها المنطقة، لافتا إلى أن جذب الاستثمارات لمصر يحفظ الاستقرار ويساعد على العمل على خلق الفرص الاستثمارية الواعدة وتحرير الأجواء لها مما يشكل حافزا لرؤوس الأموال، وأن الجهود التي تبذلها الحكومة المصرية والتقارير الاقتصادية التي نتابعها جميعا تعكس ارتفاع معدل النمو بشكل كبير في مؤشر على تحسن بيئة الاستثمار في مصر.
وقال أمير دولة الكويت إن «مصر تتمتع بالمقومات اللازمة لنجاح أي استثمار وتبقى الحاجة إلى تطوير التشريعات المتعلقة بالاستثمار والبيئة المشجعة على الاستثمار»، معلنا توجيه 4 مليارات دولار للاستثمارات في قطاع الاقتصاد المصري. من جانبه، قال الأمير مقرن بن عبد العزيز آل سعود ولي عهد المملكة العربية السعودية في كلمته بالمؤتمر: «يسرني أن أنقل لكم جميعا تحيات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الذي حالت ارتباطاته دون المشاركة الشخصية»، مضيفا: «نعبر عن الارتياح للمشاركة وننوه بشكل خاص للمشاركة الفاعلة من القطاع الخاص، ونحن على ثقة من تحقيق الأهداف المرجوة»، لافتا إلى أن اقتراح المملكة والدعوة المبكرة لهذا المؤتمر ومشاركتها الفاعلة في مصر مع دولة الإمارات يؤكد الاهتمام باستقرار مصر والحرص على تعزيز العلاقات بها.
وأعلن الأمير مقرن أن السعودية تقدم لمصر حزمة من المساعدات تقدر بـ4 مليارات دولار، لافتا إلى أن المساعدات تقدم على هيئة مليار دولار وديعة في البنك المركزي والباقي تمويل مشروعات تنموية من الصندوق السعودي للتنمية، إضافة إلى ضمان تمويل واردات سعودية واستثمارات. وقال ولي عهد المملكة العربية السعودية، إن «مصر في قائمة أكبر 20 دولة مصدرة للسعودية ورقم 24 في قائمة الدول المستوردة من المملكة»، مضيفا أن «المملكة سعت في محاربة الإرهاب والتعاون مع المجتمع في هذا الشأن».
وأعرب عن إدانة السعودية بشدة لما تشهده مصر من حوادث إرهابية تهدف إلى تعكير صفو الأمن واستهداف مسيرة الاستقرار، مطالبا المجتمع الدولي «بالفهم الدقيق لما يحدث في مصر وعدم ازدواجية المعايير ودعم جهود الحكومة لتثبيت الاستقرار وتحقيق التنمية».
من جهته، قال وزير المالية السعودي إبراهيم العساف لـ«الشرق الأوسط»: «نسعى لتنفيذ حزمة الدعم التي أعلن عنها ولي العهد«، مؤكدا أن «أولويات الدعم للاقتصاد المصري ستكون كما تحددها رغبة الإخوة في مصر. كما نسعى لتنفيذ حزمة الدعم التي أعلن عنها ولي العهد الأمير مقرن بن عبد العزيز، والمساهمة في مشاريع تنموية بالإضافة إلى تمويل صادرات سعودية لمصر والاستثمار مع القطاع الخاص».
في غضون ذلك، نقل الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات حاكم دبي، تحيات دولة الإمارات لمصر. مضيفا: «أكرر مقولة الشيخ زايد بن سلطان الذي قال قبل أكثر من أربعين عاما: لن يكون النفط العربي أغلى من الدم العربي». وقال أيضا: «لا وجود للأمة العربية دون مصر ولا يمكن لمصر أن تستغني عن أمتها العربية».
وأكد محمد بن راشد، قدمنا لمصر 14 مليار دولار خلال العامين الماضيين، ونقدم لمصر 4 مليارات دولار إضافية.. ملياران منها وديعة في البنك المركزي. وسيتم توجيه المليارين الآخرين لتنشيط الاقتصاد المصري عبر مجموعة من المبادرات سيتم الإعلان عنها لاحقا».
وفي كلمته، أكد الرئيس السوداني عمر البشير، أن «مشاركة السودان من منطلق حبه لشعب مصر وتقديرا لمكانة مصر الريادية في العالم، ونجدد دعوتنا أن تكون مصر والسودان نواة مشروع ثنائي لإنتاج الغذاء واللحوم والصناعة»، معلنا عن شراكة من السودان ستكون هدية لمصر ولشعب وادي النيل لدعم وتسهيل طرق التجارة وإزالة القيود على المعابر لتوصيل المنتجات المصرية إلى أفريقيا.
فيما قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس في كلمته: «نحن على يقين بأن مصر بشعبها العظيم وقيادتها ستعيد الاقتصاد وستحقق ما تصبو إليه من تنمية مستدامة، لافتا إلى أن تلبية المجتمع الدولي لحضور المؤتمر دليل ثقة على دعم مصر وشعبها، مؤكدا أن مصر ستبقى قلعة الأمة العربية وحصنها الشامخ وصاحبة الدور الطليعي الذي نعتز به جميعا.. نحن هنا لكي نعبر عن تضامننا مع الدول العربية التي تعاني من الإرهاب باسم الدين.
في ذات السياق، دعا الرئيس الصومالي حسن شيخ، المستثمرين للاستثمار في مصر قائلا: «مصر هي مهد الحضارة وأثبتت أن لديها البنية الأساسية لهذا الهدف.. استمروا في مصر إن مصر هي المستقبل».
ووجه نائب رئيس جمهورية تنزانيا المتحدة هاني بن عبد الله، التحية للرئيس المصري على دعوته بلاده لحضور المؤتمر الاقتصادي، مؤكدا دعم تنزانيا لجهود مصر الاقتصادية.
وقال تمام سلام، رئيس وزراء لبنان، إن «هذا الحشد الكبير في المؤتمر الاقتصادي، دليل على إحساس البلدان العربية ودول العالم بضرورة الوقوف بجانب مصر».
من جانبه، أعلن الدكتور يحيى بن محفوظ، رئيس مجلس الدولة في سلطنة عمان، ممثل السلطان قابوس في المؤتمر الاقتصادي، إن «السلطنة خصصت معونة مالية قدرها 500 مليون دولار أميركي لدعم الاقتصاد المصري»، مضيفا في كلمته في المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ، أن «هذه المعونة سوف تصرف على مدى السنوات الخمس المقبلة في إطار 250 مليون دولار سيولة مالية، إلى جانب 250 مليون دولار تضخ في شكل استثمارات في عدد من المشاريع الاقتصادية الحيوية». وأكد رئيس وزراء إثيوبيا، هايلي مريم ديساليجنه، أن المؤتمر سيشكل فرصة كبيرة لمصر من أجل الوصول إلى الرفاهية الاقتصادية الفترة المقبلة، مضيفا خلال كلمته في المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ: «المصير واحد إما أن نغرق معا وإما أن ننهض معا.. وإننا اخترنا النهوض معا، الرفاهية في مصر هي رفاهية لإثيوبيا».
وقال رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح خلال كلمته بالمؤتمر الاقتصادي: «نتطلع إلى مستقبل أفضل لشعوبنا لتحقيق العدالة الاجتماعية داخل الدولة، لا سيما أن مصر كانت وستظل الحصن الكبير للأمة».
من جهته، قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري، موجهًا حديثه للرئيس السيسي: «قد وضح أن مبادرتك بالفعل تؤكد الدور المحوري الذي تلعبه مصر في المنطقة ولزمن طويل وأنت تتعامل مع الموضوعات البالغة الصعوبة».
وأضاف كيري خلال كلمته بالمؤتمر الاقتصادي: «جئت برسالة أن الشعب الأميركي ملتزم بالأمن والرفاهية الاقتصادية للشعب المصري وسوف نعمل معكم بالتأكيد على الأهداف الطموحة والرؤية السليمة التي وضعتموها (اليوم). ومصر لديها من الناحية التاريخية الوعاء الأهم للمنطقة من حيث الأفكار كما أنها تشكل ربع العالم العربي وسكان العرب».
شرم الشيخ (مصر): سوسن أبو حسين وأحمد الغمراوي – الشرق الأوسط