العاشرة ليلا بتوقيت الرياض في ليلة شديدة البرودة وعلى نغمات موسيقى هادئة تصدح في أرجاء مطعم آسيوي أنيق التقيت بأصدقاء لم يحدث لنا أن اجتمعنا خارج منازلنا منذ أمد طويل، لم تكن الأماكن العامة مغرية بما فيه الكفاية، لكن روحا جديدة تتخلق الآن في كل شيء، وحالة من الارتياح تسود المكان، تحدثنا كثيرا عن العام 2017، لم نستطع أن نلم بكل شيء لكننا اتفقنا على أن سعودية متجددة قد انطلقت وأنها هي الرهان الوحيد.
لم يكن فقط عاما للتغير، بل كان أيضا لترسيخ التغيير والتحول كثقافة جديدة حقيقة في السعودية.
كان التغيير بالنسبة لنا أزمة ومواجهة حقيقية وبخاصة في مسارين: المسار الاجتماعي والمسار الاقتصادي، وفي كلا المسارين ثمة أشكال متنوعة للمواجهة؛ اجتماعيا ظلت المواجهة مع تيارات وأصوات الممانعة التي طالما خوفت المؤسسات والشارع من التغيير، حشد مستمر للشارع ليظل خائفا من كل جديد وتخويف للناس على قيمهم وأعرافهم التي يتهددها المستقبل، ثم استثمار لما ينتج عن ذلك التحشيد من استجابة لتخويف المؤسسات من أي خطوة جديدة جريئة.
اقتصاديا كان الفساد والبيروقراطية بالمرصاد لكل خطوة، لذلك فالكثير من المشاريع النوعية التي تم إنجازها مرت من خلال توجيهات ملكية مباشرة ولم تمر من خلال أروقة البيروقراطية التي كانت ستلتهم أجزاء منها.
الخطأ الأكبر الذي تخلصنا منه هو الفصل بين المسارين، تم دمجهما وقياس الأثر الاجتماعي الناجم عن كل تحول اقتصادي والعكس.
لم يأتِ التنظيم الجديد للمرور إلا لكونه احتياجا وضرورة اجتماعية في سياق التحولات الاقتصادية الكبرى، ولم تأت السينما والترفيه لتكون مجرد فعاليات منفصلة عن الواقع، بل لأنها تمثل عاملا اقتصاديا محوريا ومؤثرا وهو في ذات الوقت عنصر تحفيز اجتماعي وإدارة للحياة الاجتماعية وفق المعايير الطبيعية للمدنية القائمة على توسيع الخيارات وإدارتها بالأنظمة والقوانين.
لم تعد الممانعة قوة على الإطلاق، وفي الواقع فإن قوتها السابقة كانت وهما، والذي كسر ثقتها في خطابها كان الشارع حين أقبل بكل شرائحه على مظاهر الحياة الجديدة في السعودية، ولم يكن التحول الاقتصادي مستحيلا لكنه بحاجة لإعادة اكتشاف وتفعيل عوامل القوة الاقتصادية الهائلة التي تحظى بها هذه البلاد.
واجهنا التطرف بكل قوة ووجهنا ضربات صادقة للفساد ورفعنا قيم الإنتاج والعمل في كل شيء وقمنا بتحديث أنظمة ومؤسسات لم يكن لها بوضعها السابق أن تواكب هذه التحولات وقدمنا مشاريع اقتصادية أذهلت العالم وأعادت توجيهه نحو المملكة لا بوصفها الدولة النفطية الكبرى، بل بوصفها مركز الاستثمار والعمل الأكبر في العالم.
تقاربنا مع العراق الشقيق وأكملنا حصار ومواجهة ميليشيات الإرهاب في اليمن وقاطعنا النظام التآمري في قطر واستضفنا أضخم قمة عرفها العالم وأدرنا ملفات المنطقة والإقليم بما يحقق السلم ويعزز من قيمة الدولة الوطنية.
العالم الذي يودع العام ٢٠١٧ يدرك أن أكثر بقعة اكتظت بالتحولات والخطوات الإيجابية هي المملكة العربية السعودية، وهو ذاته الذي يتطلع إليها في العام القادم لأنه سيكون على موعد أكبر مع خطوات وتحولات تعكس حجم هذه القوة الصاعدة القوية برأس مالها الأضخم: إنسان هذه الأرض.
المصدر: عكاظ