2026… عام صفقات السلام والصراعات المؤجَّلة

أخبار

يستقبل العالم عام 2026، وهو يمرّ بمرحلة شديدة الحساسية في مسار الصراعات الدولية، إذ لا تلوح في الأفق نهايات حاسمة للحروب القائمة، ولا حلول جذرية للأزمات المزمنة.وتبدو بؤر التوتر، من غزة إلى السودان، ومن أوكرانيا إلى فنزويلا وجنوب شرق آسيا، عالقة بين احتمالات التصعيد ومحاولات الاحتواء، .ويبقى السؤال المطروح: هل سيكون 2026 عام الحسم، من خلال صفقات السلام، أم مجرد عام لإدارة الأزمات والحروب، تُختبر فيه قدرة الأطراف المتنازعة على تحمّل كلفة الاستمرار في الصراع… أو حتى كلفة السلام ذاته؟.

غزة توترات متعددة

يبقى ملف غزة ومحور النزاع الإسرائيلي–الفلسطيني، من أبرز بؤر التوتر في 2026، إذ لم تسفر التحركات الدبلوماسية الأخيرة حتى الآن عن اختراق حقيقي في مسار السلام. وفق تقديرات نماذج التنبؤ بالنزاعات، لا تزال احتمالات العنف قائمة، مع توقعات بأن يسجل هذا الصراع أحد أعلى معدلات الوفيات المتعلقة بالمعارك في العالم خلال العام المقبل، ما يعكس عمق التوترات، وعدم الاستقرار المستمر.

وعلى الرغم من الجهود الدولية الجارية لمعارضات وقف إطلاق النار، وطرح مبادرات تهدئة من قبل أطراف إقليمية، تبقى العقبات كبيرة بين دولة إسرائيل وحركة «حماس»، مع رفضها تسليم السلاح، في ظل استمرار السياسات الأمنية التصعيدية والضغوط الإقليمية المتداخلة.

الخبراء يتوقعون أن يكون 2026 عاماً من استمرار الحالة العسكرية والسياسية في غزة، مع بعض محاولات التهدئة المؤقتة التي قد تتيح «نوافذ تنفس» إنسانية، لكنها لن تؤدي إلى حل شامل للصراع في المدى القريب.

فرص التسوية

في السودان تستمر الحرب الأهلية بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ 2023، وقد منحته منظمات دولية، مثل اللجنة الدولية للإنقاذ، لقب أكبر أزمة إنسانية في العالم لثلاث سنوات متتالية.

وتشير التوقعات إلى أن النزاع قد يستمر في 2026، دون اتفاق تسوية سريع، إذ تتعمّق الانقسامات الداخلية، ويزداد اعتماد الأطراف على الدعم الخارجي، ما يعقّد إمكانية التوصل إلى تهدئة شاملة.

ومع تراجع المساعدات الدولية ومحدودية الموارد، يمكن أن تسوء الأوضاع الإنسانية، ويظل وقف إطلاق النار هشاً ومقطوعاً بين الفينة والأخرى.محللون يرون أن فرص التسوية تتطلب تدخلاً دولياً أكثر اتساعاً، وضغطاً سياسياً فعالاً لتقليص العنف، بينما تبقى احتمالات استمرار النزاع أو تجميده على وقع العنف منخفضة جداً.

أوكرانيا صراع ضبابي

في النزاع بين روسيا وأوكرانيا، يشير خبراء إلى أن 2026 سيظل عاماً معقداً، مع استمرار المواجهات في مناطق ساخنة، رغم الجهود الدبلوماسية المتقطعة.بينما تستمر الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي في دعم كييف، تحتفظ روسيا بمواقفها الرافضة للتنازلات الكبرى، ما يجعل أي حل تفاوضي شامل غير وشيك.المحللون يتوقعون أن يظل النزاع في حالة من الجمود الاستراتيجي، يعتمد على دعم خارجي متقلب، وتوازنات عسكرية نسبية، مع تحولات محتملة وفق التطورات السياسية في واشنطن وموسكو.

وقد يؤدي هذا إلى استمرار كساد سياسي نسبي، يحد من فرص تسوية نهائية في 2026، مع استمرار معاناة المدنيين، وتقاسم السيطرة على مناطق متنازع عليها.

فنزويلا ضغوط متواصلة

على عكس بؤر النزاع التقليدية، يشهد ملف فنزويلا أزمة سياسية عميقة، تتداخل فيها الضغوط الاقتصادية والعقوبات الدولية، مع معركة السلطة بين الحكومة والمعارضة. تصريحات مسؤولين أمريكيين مؤخراً، أشارت إلى ضغط متزايد على النظام الحالي، لكن مع تأكيدهم على أن أي تدخل عسكري مباشر غير وارد في الوقت الراهن،

ما يحد من احتمالات تصعيد مسلح واسع خلال 2026.محللون يتوقعون أن تبقى التحولات الرئيسة في فنزويلا على الساحة السياسية والاقتصادية، مع استمرار المفاوضات الدولية، ووساطات محتملة تقودها دول إقليمية،

وقد تظهر آفاق للتسوية نسبية، إذا ما توفرت حوافز اقتصادية وسياسية كبرى.

كمبوديا وتايلاند نحو التهدئة

في جنوب شرق آسيا، يشهد النزاع الحدودي بين كمبوديا وتايلاند تصعيداً منذ منتصف 2025، ما تسبب في نزوح جماعي لمئات الآلاف من المدنيين، وأزمة لاجئين غير مسبوقة منذ عقود.

ورغم التوترات على الأرض، هناك مبادرات دبلوماسية نشطة من قبل قوى إقليمية، خصوصاً الصين، لدفع الطرفين إلى خفض التصعيد، مع اجتماع قمة قادة رابطة دول جنوب شرق آسيا (ASEAN)، المتوقع دوره في تشجيع الحوار.ويتوقع محللون أن يظل عام 2026 سنة مفصلية في هذا النزاع، إذ إنه إما أن يشهد تهدئة تتوج باتفاق وقف إطلاق نار واستئناف المفاوضات، أو استمرار الاشتباكات بوتيرة أقل عنفاً، مع تدخلات إقليمية دبلوماسية أكثر وضوحاً.

تسويات جزئية

وبصورة عامة، لا تشير توقعات عام 2026 إلى نهاية شاملة لأي من الصراعات الكبرى، فغالبها ستبقى في حالة صراع ممتد، أو تجميد نسبي، مع مساحات من الجهد الدبلوماسي المحدود.

وتبرز الحاجة الملحة إلى دور دولي منسّق، وتعزيز الوساطة الإقليمية لتخفيف وطأة النزاعات الإنسانية، مع الاعتراف بأن فرص التسوية الشاملة لا تزال بعيدة، ما لم تتغير المواقف السياسية الداخلية والخارجية بعمق خلال العام المقبل.غياب الحلول الجذرية

يرى السفير حسين هريدي مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، أن فهم طبيعة الصراعات في مناطق النزاع، يظل المدخل الأساسي لتقدير فرص التسوية أو احتمالات الانهيار، مؤكداً أن الاتفاقات السياسية لا تُقاس بنصوصها المعلنة فقط، بل بمدى استعداد الأطراف لمعالجة الجذور الحقيقية للأزمات.

ويشير هريدي إلى أن النزاعات لا تنشأ بسبب عامل واحد، بل نتيجة تداخل عناصر سياسية وأمنية وتاريخية ودينية، وهو ما يجعل بعض الأزمات عصيّة على الحل السريع، ويمدّد عمرها لسنوات طويلة. فكلما كانت جذور الصراع أعمق وأكثر تشابكاً، تراجعت فرص الوصول إلى تسوية مستدامة، وازدادت هشاشة أي اتفاق مرحلي يتم التوصل إليه.

ويقدم السفير هريدي الصراع بين غزة وإسرائيل كنموذج واضح لنزاع يصعب تثبيت التهدئة فيه على المدى الطويل، لافتاً إلى أن التعقيدات السياسية والأمنية، إلى جانب غياب الثقة المتبادلة، تحول دون بناء تفاهمات مستقرة.

ويؤكد أن أي ترتيبات مؤقتة، تظل عرضة للانهيار مع أول اختبار ميداني أو سياسي، في ظل غياب أفق واضح لحل جذري يعالج أسباب الصراع الأساسية.

ويتناول هريدي التوتر المزمن بين الهند وباكستان، مشيراً إلى أن الخلاف الحدودي بين البلدين الممتد منذ عام 1947، يمثل أحد أقدم النزاعات المفتوحة في العالم. ويرى أن تشابك الأبعاد التاريخية والدينية مع الحسابات السياسية والأمنية، إلى جانب غياب إرادة سياسية حقيقية لمعالجة الملفات العالقة، يجعل من هذا الصراع نموذجاً دائرياً، يعود فيه الطرفان مراراً إلى التصعيد، دون التوصل إلى حلول دائمة.

وفي ختام قراءته، يطرح هريدي سؤالاً محورياً، يظل حاسماً في توقعات 2026: هل الأطراف المتنازعة مستعدة لتحمّل كلفة السلام؟.معتبراً أن الإجابة عن هذا السؤال، هي التي سترسم مستقبل مناطق الصراع المشتعلة، سواء في غزة أو جنوب آسيا، أو غيرها من بؤر النزاع حول العالم.

بين التسوية والانزلاق

بينما يرى خبير العلاقات الدولية د. محمد ربيع الديهي، أن العالم يودّع عام 2025 وهو مثقل بسلسلة من الأزمات المفتوحة، بعضها لا يزال في طور التوتر، بينما تحوّل بعضها الآخر بالفعل إلى حروب قائمة، في مشهد دولي يتسم بالسيولة وعدم اليقين. ويشير إلى أن هذا التراكم في بؤر الصراع، يجعل عام 2026 عاماً مفصلياً، تتحدد فيه مسارات التسوية أو الانزلاق نحو جولات جديدة من العنف.

وفي ما يتعلق بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، يوضح الديهي أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي أوقف العمليات العسكرية، لا يعني بالضرورة نهاية الصراع، إذ لا تزال هناك مؤشرات سلبية حقيقية، قد تقود إلى انفجار جديد في أي لحظة. ورغم خطورة هذه المؤشرات،

يرجّح الخبير أن احتمالات استمرار الاتفاق، والانتقال إلى مرحلته الثانية، تظل حاضرة، مستنداً في ذلك إلى جملة من المبررات السياسية والعملية.ويأتي في مقدم هذه المبررات، موقف الضامنين للاتفاق، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، حيث تحرص واشنطن على دفع الاتفاق نحو هدنة حقيقية، تمهّد لمرحلة إعادة الإعمار، خاصة أن هذا الاتفاق بات مرتبطاً، بشكل مباشر أو غير مباشر، باسم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ما يضفي عليه بعداً سياسياً شخصياً، يصعّب التراجع عنه.

وفي سياق موازٍ، ينتقل الديهي إلى أوضاع النصف الغربي من الكرة الأرضية، مشيراً إلى حالة عدم الاستقرار التي تشهدها أمريكا اللاتينية، في ظل سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه دول المنطقة، وعلى رأسها فنزويلا.ويرى أن محاولات واشنطن الضغط من أجل السيطرة على الثروات الفنزويلية، أو تغيير النظام القائم بالقوة، تنذر بمزيد من التأزم، دون أن تصل بالضرورة إلى حرب شاملة.

ويستبعد الخبير تنفيذ عمل عسكري مباشر ضد فنزويلا، مرجعاً ذلك إلى عدة اعتبارات، أبرزها أن أي تدخل عسكري، سيؤدي إلى تفجير العلاقات بين الولايات المتحدة ودول أمريكا اللاتينية، فضلاً عن الطبيعة الجغرافية والديموغرافية لفنزويلا، التي تجعل أي عملية عسكرية معقدة ومكلفة للغاية.

كما يحذر من أن إشعال صراع في ما يُعرف بـ «الفناء الخلفي» للولايات المتحدة، قد يفتح الباب أمام ارتدادات أمنية وسياسية في الداخل الأمريكي نفسه.

ويضيف الديهي أن أي حرب ضد فنزويلا، ستقع خارج إطار الشرعية الدولية، ما سينعكس سلباً على صورة الولايات المتحدة عالمياً، في وقت تسعى فيه إلى تحسين سمعتها الدولية. كما أن مثل هذا السيناريو سيواجه برفض واسع، ليس فقط على المستوى الدولي، بل داخل الولايات المتحدة ذاتها، ما يجعل خيار الحرب ضعيف الاحتمال.

وعلى صعيد الأزمة الأوكرانية، يرى الديهي أن آفاق السلام باتت أكثر وضوحاً في عام 2026، مرجحاً أن يكون المسار الأقرب للتسوية عبر بوابة الولايات المتحدة، التي قد تضطلع بدور الراعي لمفاوضات سلام روسية–أوكرانية، بغض النظر عن التحفظات الأوروبية.

ويشير إلى أن هذا المسار قد يقوم على تثبيت الأوضاع الميدانية كما هي، في إطار تسوية واقعية، تعكس موازين القوى الحالية.وفي ما يخص الأزمة السودانية، يتوقع الديهي أن تشهد الفترة المقبلة حالة من الهدوء النسبي، مدفوعة بالجهود الدولية والإقليمية، نحو الهدنة والسلام.

عام التسويات والاستنزاف

ويرى الباحث السياسي أحمد المصري، أن عام 2026 يطرق الأبواب، وهو مثقل بتركة من الصراعات التي تتأرجح بين «الجمود القاتل» و«انفراجات هشة»، بفعل التحولات في موازين القوى العالمية، وتصاعد الضغوط الاقتصادية والسياسية الدولية.وأوضح المصري أن غزة قد تشهد في 2026 انتقالاً من مرحلة «الحرب الشاملة»، إلى «إدارة أمنية دولية»، مع احتمال نشر طلائع قوة استقرار دولية، ودعم مشروع «مجلس السلام»، برعاية واشنطن.

وأضاف أن الحل هناك لن يكون نهائياً، بل مجرد «تبريد» للصراع، لإفساح المجال لإعادة الإعمار، تحت رقابة دولية مشددة.أما في أوكرانيا، فقد أشار إلى مفترق طرق بين اتفاق «تجميد» على غرار النموذج الكوري، أو استنزاف طويل الأمد، مع توقع أن تدفع الضغوط الغربية نحو طاولة المفاوضات في 2026،

إلا أن السلام سيكون «مريراً»، ويكرس واقعاً ميدانياً جديداً.وفي فنزويلا، لفت إلى تصاعد التوتر مع واشنطن، مع احتمال مواجهات محدودة، أو تشديد الحصار البحري،

ورأى أن النظام هناك يعتمد على «خطة 2026» الدفاعية، ما يجعل خيار الصدام مهيمناً على خيار الحوار.

وأشار المصري إلى أن الاشتباكات الحدودية بين كمبوديا وتايلاند، على الرغم من جهود منظمة «آسيان»، مرشحة للاستمرار، باعتبارها أداة سياسية داخلية في كلا البلدين، ما يجعل التسوية الدائمة بعيدة المنال على المدى القريب.

وخلص إلى أن عام 2026 لن يكون «عام النهايات السعيدة»، بل «عام التسويات الاضطرارية» في بعض المناطق، و«عام الاستنزاف المنسي» في مناطق أخرى، مؤكداً أن استمرار الصراعات سيكون مرتبطاً بقدرة الأطراف المتنازعة على تحمّل كلفة الاستمرار في الصراع، أو حتى كلفة السلام ذاته.

المصدر: البيان