كاتب وإعلامي إماراتي
إذا كان السؤال المطروح هنا هو: هل على دول الخليج أن تحتوي تنظيمات «الإخوان المسلمين» أم عليها أن تحلها؟ فالجواب بلا شك، أن تنظيمات الإخوان المندسة في دول الخليج عصية على الاحتواء، وهي غير قادرة على الاندماج والمشاركة في المجتمعات الخليجية؛ للأسباب التي سنستعرضها في هذا المقال، ولذلك فلا حل إلا الحل.
أولا، لا تمتلك هذه الجماعات أي شرعية فقهية أو قانونية للبقاء في مجتمعات أهل الخليج. فقهيا هي منافية للشريعة؛ لأنها بدعة وشق لصف أهل الإسلام، وخروج على الجماعة وعصيان لولي الأمر المأمور بطاعته، وهي أقرب في تحديها وخروجها على القوانين والتشريعات القائمة في دول الخليج إلى عصابات الجريمة المنظمة المتعددة الجنسيات. وليس أدل على ذلك من محض ولائها للخارج واستقوائها به على أوطانها.
ثانيا، إن هذه الجماعات أو التنظيمات تتحدى فكرة الدولة الوطنية، بل تلغيها عبر ازدواجية الولاء الذي توليه لتنظيمها الأم بالفعل، في حين تزعم ولاءها لأوطانها بالقول. فلم يعد هناك اليوم وجود واقعي لأي توصيفات هوية أو كيانات سياسية يمكن للإنسان أن يرتبط بها بعلاقة انتماء أو ولاء سوى الدولة الوطنية؛ فعصر «الدولة – الأمة» انتهى، ومزاعم إحياء الخلافة الإسلامية تحول إلى مجرد ذريعة للمغامرين السياسيين يمتطونها للوصول إلى مآربهم في الحكم.
ثالثا، إن أتباع هذه التنظيمات «الخليجية» في أمميتهم الموهومة وغير الوطنية يقدمون مصالح شعب على حساب مصالح شعب آخر، ويخدمون أوطان الآخرين من حيث يسعون إلى تخريب أوطانهم، ويزعمون أن الكل أمة واحدة، غير أن موازينهم مائلة والقسمة غير عادلة. فتنظيمات الإخوان الخليجية لا تؤدي اليوم إلا دور البقرة الحلوب التي تدر أموالا في خزائن التنظيم الدولي لجماعة «الإخوان المسلمين»، ودورها لا يتجاوز «الجباية» لصالح التنظيم الأم. وهذا الاستغلال والابتزاز لـ«إخوان الخليج» لم يشفع لهم لدى التنظيم الأم حين قرر تقديم مصالحه الضيقة على المصالح الوطنية لدول الخليج العربية، وما تأييدهم لـ«صدام» في غزوه الكويت عنا ببعيد.
رابعا، إن هذه الجماعات بادعائها الطهر والنزاهة تقف على الجانب الخطأ من التاريخ؛ فأعضاء هذه التنظيمات يعتبرون أنفسهم نخبا نقية، ويرون أنفسهم فوق كل شبهة أو نقد أو مساءلة، فضلا عن تخطئتهم وتقويم اعوجاجهم، فهم يعتبرون أنهم امتلكوا الحقيقة عبر تكلمهم باسم الدين، وهم بهذا منفصلون عن الواقع ومفارقون لروح المجتمع وإجماعه.
خامسا، إن «الربيع العربي» قد أثبت أن آيديولوجيا «الإخوان» كانت وستظل وصفة للفشل والزلل. فمع وصول «الإخوان» إلى الحكم في بعض هذه الدول عانت بلدانهم من انسداد سياسي وانهيار اجتماعي، واقتصاد بات في حالة سقوط حر، وأمن مفقود، وزاد الأمور سوءا تغول الأثرة والأنانية «الإخوانية» المتأصلة في خطابهم وآيديولوجيتهم بكل ما جبلت عليه من تقوقع وتشرنق وتخندق حول الذات وانعزالية تكفيرية عن غيرها من قوى المشهد السياسي، بل عن بقية المجتمع كله.
وسيظل «الإخوان» في كل مكان يدورون في حلقة فشل آيديولوجي مفرغة وعقيمة وسقيمة، ولن ينجح مسعاهم أبدا، لأنهم منذ قرابة ثمانية عقود وهم يقرعون الباب الخطأ تعطشا وسعيا للوصول إلى السلطة، باستغلال الدين لتحقيق مكاسب سياسية، ومحاولة اتخاذه مطية للأجندات التنظيمية، والدين الحنيف أعظم من تأويلاتهم، وأقوم من تحليلاتهم، لأنه دين الأمة جمعاء، ولذلك فهو جامع غير مفرق، وموحد غير ممزق، وهو ذكر منزل محفوظ مصون من رب العالمين، وليس مجرد تأويلات باهتة، وتلفيقات باردة، يروجها بعض الملبسين والمفلسين.
سادسا، هناك خصوصية في العلاقة بين الحاكم والمحكوم في دول الخليج بشكل لا يتكرر في دول أخرى، فأنظمة الحكم القائمة فيها بايعتها شعوبها منذ مئات السنين، ومجتمعات الخليج التي لم يخلقها النفط، بل تمتد جذورها إلى مئات السنين، قد حققت في السنوات الأربعين الماضية إنجازات تفوق جميع الإنجازات التي تحققت في دول الشرق الأوسط كلها خلال القرنين الماضيين.
إن مجتمعات الخليج اليوم ليست قرى منعزلة ليأتوها بدعوى سطحية مبتذلة لجماعة سرية، بل هي مجتمعات منفتحة تمتلك مؤسسات تقوم بأداء أدوارها المنوطة بها، وهي ذات بنية تتيح قدرا كبيرا من المساءلة والمحاسبة على نحو يمكنها من تجاوز الخلل وتقويم الزلل، تحت سقف الوطن.
إن على «إخوان الخليج» اليوم العودة إلى الحق والصدق، والاعتراف بالخطأ، ومراجعة النفس، والتوجه إلى الله سبحانه وتعالى، وإلى أوطانهم وشعوبهم، بتوبة نصوح، يقترن فيها الندم على ما فات بنية عدم العودة إليه أبدا. وهذا يقتضي، مرة أخرى، حل تنظيمات «الإخوان» الخليجية وإشهار إفلاس علاقتها مع جميع الأطراف الخارجية.
هذا هو الحل، وبعده يكون التراجع بشكل قاطع عن كل قول وعمل قد يدخل تحت طائلة ازدواجية الولاء أو الانتماء، وبدلا من ذلك عليهم الانخراط كأفراد بإخلاص في خدمة دولهم الوطنية، باعتبارها أوطانا نهائية، وهي الوحدة السياسية الوحيدة المقبولة شرعا وعقلا وقانونا في عصرنا الراهن. ونحن أبناء دول مجلس التعاون كلنا مسلمون والحمد لله. ولذا، فالأفضل لـ«إخوان الخليج» أن يسرعوا للحاق بالإجماع الوطني وشرعيته؛ لأن الوطن أمانة.. ولا مكان فيه لازدواجية الولاء أو الخيانة.
المصدر: صحيفة الشرق الأوسط