كاتبة سعودية مقيمة في دبي
الصورة التي تحاشيت النظر إليها في الصحف اليومية وجدتها أمامي على قناة الـ «بي بي سي» البريطانية… شاب نيجيري مسلم، يداه ملطختان بالدم، بعد أن جز رأس الشرطي البريطاني. ظهر بهذه الصورة أمام المجتمع البريطاني الذي آواه وكبُر فيه، كي يقدم لهم فهمه للإسلام وشكل هويته المسلمة، وعلى صيحات «الله أكبر الله أكبر». هذه الصورة تغذّى عليها الإعلام المتطرف الغربي والمعادي للإسلام والمسلمين بشهية فائقة. ركض ينكث في عفش وعقل المسلمين، ويؤكد أن هذا هو عنوان الإسلام المتوحش الذي يقتل أبناءهم ويستنزف أموالهم ويتمتع بحمايتهم، بينما سيركض الإعلام المسلم ينكر مسؤولية الإسلام عن هذه الجريمة، متهماً المجتمع البريطاني الذي نشأ فيه هؤلاء الشباب، فلفظهم وعاملهم بعنصرية وجوّعهم، ثم جعلهم هامشيين ومجرمين. لكن كيف نفسّر ادعاء القاتل بأنه ما قام بهذا إلا تعبيراً عن قيمه الإسلامية، وطموحاً في الانتقام من قاتل الأطفال في أفغانستان؟! ثم كيف تفهم تصريحات المعلم والشيخ المعجب بما فعل القاتل؟ فقد نشرت صحيفة «الشرق الأوسط» حديثاً مع عمر بكري – مؤسس حركتي «المهاجرون» و «الغرباء» المحظورتين، الذي حاول أن يتهرب من المسؤولية في البداية، كونه كان مرشداً ومعلماً للقاتل النيجيري أديبو لاجو، ثم صار اسمه عبدالله، فذكر في البدء أنه علّمه الدين الصحيح وعقيدة الولاء والبراء – على ما فيها من رفض العيش مع الكفار والحض على قتالهم -، وقال إن قتل الجندي غير شرعي، لأن المسلم حين يختار العيش في مجتمع غير مسلم فإنه في عقد أمان مع شعبه. لكنه تالياً لم يستطع أن يخفي إعجابه بشجاعته، لأنه لم يفرّ، كما خفف من الجريمة بقوله: إن المسلمين سيجدون «أن المقتول لم يكن مدنياً بل عسكرياً»، وفي الأخير قالها صراحة: «أنا لا أُعارض ما فعل، وأعتقد بأنه رغب في ألا يتقيد بعقد الأمان، وهذا جهاد فردي»، لكنه ضد الطريقة التي قَتل بها، «ربما كان يفضل أن تكون بالمسدس بدل الساطور».
من هو القاتل هنا؟! المنفذ أم المرشد والمفسر لآيات الله؟! من الذي نحاكمه: المراهق الذي جاء يفتش عن الطمأنينة والسكينة والعدالة في عالم لم يُنصفه، أم الراشد الذي اختار أن يأكل مع أناس على طاولتهم وفي بيتهم ثم يحض على قتل ابنهم في شارع عام ويعد ذلك جهاداً في سبيل الله؟! ينفر بعض القراء من هذا الكلام ويرون أنه تحريض ضد أبنائنا المسلمين. قد يستغله الغرب ضدنا، لكنني أقول لهم: إنهم مخطئون، فمرشد القاتل الروحي عمر بكري الهارب من لندن هو الآن في طرابلس يرعى قتل فئات أخرى في سبيل الله. لم يعد هناك بريطاني (مسيحي ومسلم)، بل طرفان مسلمان في درب التبانة وجبل محسن من وطن واحد، هو لبنان، وقد بلغ عدد قتلاهم يوم أمس 30 قتيلاً و240 جريحاً، فرطوا في وحدة بلادهم وأمنه وحرمة دم مواطنيه، لأن فريقاً منهم يشجع بشار الأسد وآخر ضده، وبحسب «الفقه البكري» وأشباهه يجوز للأول تصفية الآخر! يا سلام، لِمَ لا؟! فهذا «حزب الله» والمقاومة الإسلامية يعد جمهوره بالنصر، وأين في القصير السوري؟ سيدخل يذبح ويسفك الدماء ضد مسلمين آخرين، كي يحمي نظام بشار، استجابةً لأوامر إيران! من المسؤول عن هذه الحرب: السلاح أم الفقه؟ ومن الخاسر في هذه الحرب: المسلمون أم أعداؤهم؟ كأني بإسرائيل سعيدة، وقد وفّر لها حظاً تُحسد عليه. جيران يقتل بعضهم بعضاً نيابةً عنها، فيما هي توفر نقود حربها للتنمية والتحصين، لكن هذه الحرب لم تبدأ اليوم، بل منذ خرج علينا فقه يقول: إن صلاتك يجب أن تتضمن دعاء على الطوائف والمذاهب والتيارات الفكرية الأخرى خلافاً لقول الإسلام المتجلي في قول علي رضي الله عنه: «لنا رأي ولهم رأي»، لكن هذا ليس رأي الفقه اليوم، فقد بعث لي قارئ يقول إنه صلى الجمعة الماضي فتعجب من المصلين، فحين سمعوا الإمام يدعو «اللهم أعز الإسلام والمسلمين» أمّن وراءه بصوت هادئ خفيض، لكنه ما أن دعا «وأهلك الفرقة المسلمة الفلانية والليبراليين» حتى علا صوت المصلين بقوة «آمين»! ألم أقل لكم إن الخطر ليس في لندن كما تتصورون.
المصدر: صحيفة الحياة