كاتب سعودي
قالت مرضية أفخم المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية تعليقاً على قمة كامب ديفيد إن المزاعم حول أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة العربية مرفوضة، ووصفتها بأنها مكررة ولا تعكس الواقع. وقبل السيدة أفخم، دأب الساسة الإيرانيون خلال الأشهر القليلة الماضية على قول الجملة نفسها بوتيرة واحدة وبشكل يدعو للعجب، وكأنها إحدى الرسائل الاتصالية المفروضة عليهم من مرجعية عليا!
الإيرانيون يرفضون هذه الفرضية أولاً، ويشيرون إلى أنها باتت تتكرر كثيراً في الفترة الأخيرة ثانياً، ويؤكدون أنها لا تعكس الواقع ثالثاً. 3 أجزاء رئيسة في جملة واحدة أصبحت من مسلمات الاتصال الإيراني بالمجتمع الدولي!
فأي الأجزاء يقبل العرب؟ وأيها يرفضون؟ وأيها يحتاجون القيام بعمل ما تجاهه؟
في ما يتعلق بالجزء الأول من تصريح السيدة أفخم الذي يرفض الاتهامات، أو المزاعم كما ورد في التصريح، فهذا أمر متوقع، وهو من صميم الديبلوماسية الإيرانية منذ عقود، وعليه فإن العرب المتأثرين بالسياسة الإيرانية لا ينتظرون ولن ينتظروا اعترافاً من طهران بممارسة أنشطة معادية في الإقليم، إلا في حال واحدة، وهي تغيّر النظام الحالي، ومجيء نظام جديد ينسف إرث نظام الثورة الإسلامية، كما تسمى، بالكامل، ويمد يده لجيرانه على أمل إصلاح ما خربه «الملالي» والدهر!
الجزء الثاني من التصريح صحيح 100 في المئة، فوزراء الخارجية العرب والمتحدثون الرسميون باسم الحكومات العربية باتوا يكررون مسألة التدخل الإيراني في شؤون الدول العربية بشكل ممل، إلى درجة أن السيدة مرضية أفخم والسيد حسين أمير عبداللهيان مساعد وزير الخارجية الإيراني استغلا هذا التكرار، وأدخلاه في تصريحاتهما كي يقتلاه بالعلة نفسها: التكرار، بحيث يصبح تكرار التكرار أمراً عادياً وغير ملفت للانتباه! ليس هذا فحسب، بل أيضاً مفرغاً للتكرار الأول من محتواه، وملبساً إياه ثوب الاتهامات الباطلة التي تكبر وتترعرع في عقل الضعيف قليل الحيلة!
الجزء الثالث من التصريح هو الجزء الأهم بالنسبة لهذه المقالة، هل تعكس هذه المزاعم كما تصفها أفخم، الحقائق كما يقول العرب، واقعاً ملموساً ومعايناً على الأرض أم لا؟ وكيف يمكن إقناع المجتمع الدولي وحمله على الانتقال من التشكك في فرضية التدخل والأنشطة المزعزعة للاستقرار إلى الإيمان بنظرية الوجود الإيراني غير الشرعي في عدد كبير من الدول العربية؟
إيران ترفض المزاعم! حسناً… المزاعم مكرورة! حسناً… لا تعكس الواقع! مهلاً… هذه مسألة فيها نظر!
بدلاً من التصريحات المتكررة للعرب التي يتهمون فيها إيران بزعزعة استقرار المنطقة، عليهم أن يبدأوا واقعاً جديداً يثبتون من خلاله هذه التهمة دولياً، ويفوتون الفرصة على متحدثي إيران بعكس الكلام بالكلام للخروج سالمين من محبس الاتهامات!
أربع دعاوى يرفعها أصحاب العلاقة أو الخليجيون، في الأمم المتحدة والمحاكم الدولية ذات العلاقة، كفيلة بإثبات ممارسة إيران لأنشطة معادية في الدول العربية، وتحميلها عواقب التدهور الأمني في المنطقة، وما يترتب على ذلك من عقوبات دولية رادعة، تحل بديلة للعقوبات الأممية المزمع رفعها في حال الاتفاق النووي ما بين إيران ودول الخمس +1 في يونيو المقبل.
القضية الأولى، الوجود الإيراني في العراق، وتتناول ثلاثة محاور: المحور الأول تعطيل التحول الديموقراطي من خلال دعم حزب الدعوة وتمكينه على بقية الأطراف العراقية الأخرى، وفرض رموزه على مؤسسة الحكم من دون مسوغ دستوري أو قانوني أو انتخابي كما حدث مع رئيس وزراء العراق نوري المالكي عندما تم فرضه بقوة السلاح على الأمة العراقية، على رغم فوز القائمة العراقية بزعامة إياد علاوي بانتخابات 2010. واستمرار هذا الدعم لرئيس الوزراء الحالي الدكتور حيدر العبادي ممثل حزب الدعوة، الذي يعمل على تدمير المؤسسات المحلية وإقصاء بقية المكونات العراقية لمصلحة طائفة واحدة وذات مرجعية سياسية معروفة. وثاني المحاور يتمثل في دعم طهران بالسلاح لميليشيا الحشد الشعبي التي تتخذ من الطائفة غطاءً شرعياً لها، ويتعارض وجودها مع الدستور العراقي الذي يمنع تشكيل أية قوة مسلحة خارج عباءة الدولة العراقية المدنية. أما المحور الثالث فيتمثل في تقديم دعوى قضائية للمحكمة الجنائية الدولية ضد الجنرال الإيراني قاسم سليماني الذي يقود الميليشيات الشيعية المتطرفة في العراق للقضاء على كل من لا يؤمن بولاية الفقيه ومرجعيتها الكونية الكبرى!
القضية الثانية، التدخل الإيراني في سورية، وهذه يمكن تحريكها بسهولة في مؤسسات الأمم المتحدة كون الدعم الإيراني لأمير الحرب بشار الأشد الفاقد للشرعية دولياً كالنهار لا يحتاج إلا دليل، وما عشرات الألوف من السوريين الذين سقطوا شهداء خلال السنوات الأربع الماضية إلا محصلة مثبتة لبذرة التعاون الاستخباراتي العسكري القائم بين طهران ودمشق.
القضية الثالثة، اختطاف الجنوب اللبناني، وتتناول فرض حزب مسلح تابع لإيران على الحياة السياسية اللبنانية، وتركيع مختلف القوى اللبنانية المدنية لسطوة هذا الحزب الذي يحتل جزءاً كبيراً من جنوب لبنان بوضع اليد. وهذه أيضاً قضية يسهل تحريكها وكسبها، فـ«حزب الله» يجثم على الجنوب اللبناني بعتاده وتفرده بالسلطة كما تجثم كوريا الشمالية على الجزء الشمالي من شبه الجزيرة الكورية.
القضية الرابعة التي يفترض رفعها في ردهات المحاكم الدولية، زعزعة الاستقرار في اليمن، وتتناول تزويد الحوثيين بالسلاح ودعمهم بالمستشارين العسكريين للسيطرة على اليمن، وتشجيعهم للمتمردين بعدم الدخول في مفاوضات مع المكونات والقوى اليمنية، والاكتفاء عوضاً عن ذلك بالمواجهة المسلحة التي حصدت حتى كتابة هذه المقالة مئات القتلى والجرحى!
أربع قضايا كفيلة بالمستقبل القريب بأن تمسح كلمة «مكررة» من قاموس أفخم وعبداللهيان وغيرهم من الساسة الإيرانيين. فقط على الخليجيين وحلفائهم في الدول الأربع المذكورة أن يتحركوا ديبلوماسياً كما هي حركتهم السياسية.
المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Abdullah-nasser-Al-Othiabi/