كاتب سعودي
يعد أمرا إيجابيا أن يتحول الرتم الزمني لمعالجة أزمة الإسكان من نطاقه السنوي إلى شهري، وأن ترى العديد من الأجهزة تتضافر جهودها كل حسب مسؤولياته لأجل تحقيق إنجاز حقيقي على هذا الطريق الحيوي. يمكن بلورته في التالي:
1) قيام وزارة العدل بإلغاء صكوك غير مشروعة لمساحات شاسعة من الأراضي، يكفي القول إن ثمرتها الأولى أسفرت عن استرداد ما تجاوزت مساحته 551 مليون متر مربع، وباستمرار عمل اللجنة المكونة من عدة جهات حكومية ذات علاقة تترأسها وزارة العدل، يتركز عملها على فحص سلامة صكوك ملكية الأراضي، وإلغاء غير المشروع منها، واسترداد الأراضي المستولى عليها بموجبها، أؤكد أنه يرشح لارتفاع حصيلة استرداد عدة مليارات من الأمتار، وهو رصيد من الأراضي كفيل بتوفير مخزون من الأراضي الصالحة للتطوير والبناء، ستلبي احتياجات الاقتصاد والمجتمع لعقدين قادمين على أقل تقدير.
2) صدور الإعلان الأول لوزارة الإسكان عن الدفعة الأولى لمستحقي الدعم السكني، البالغ عددهم نحو 620.9 ألف مستحق، شكلوا نحو 65 في المائة من إجمالي المتقدمين، وينتظر في منظور الأشهر القادمة استكمال ترجمة ذلك الإعلان عبر توزيع استحقاقات من تم الإعلان عنهم، والإعلان عن بقية الدفعات الأخرى من مستحقي الدعم السكني.
3) التقدم الملموس الذي حققته وزارة التجارة على طريق إنهاء المساهمات العقارية المتعثرة، الذي وصل حتى منتصف العام الجاري إلى 100 مساهمة عقارية من 252 مساهمة، ويسهم هذا الإنجاز في تحرير المزيد من مساحات الأراضي، وتحويلها من خانة التعطيل التي امتدت لسنوات طويلة جدا، إلى خانة إمكانية تداولها أو تطويرها وتشييد المساكن عليها، وهو ما سيخفف من حدة الأسعار الراهنة، عبر زيادتها للمعروض من الأراضي والمساكن.
4) إنشاء هيئة التحقيق والادعاء العام لدائرة “الجرائم الاقتصادية”، بهدف التحقق من تطبيق الأنظمة واللوائح والتعليمات في التحقيق في الجرائم الماسة بالاقتصاد الوطني، التي ستتولى ضمن أدوراها العديدة ذات العلاقة التحقيق في جرائم التلاعب بالأسعار وارتكاب جرائم التضليل في الأسواق المحلية، وفي مقدمتها السوق العقارية! تمثل خطوة مهمة أخرى وموازية لما تقدم على طريق الإصلاح.
5) صدور موافقة مجلس الشورى على مشروع نظام جباية الزكاة في الأنشطة التجارية والمهنية شاملا الأراضي، قبل نحو ثلاثة أشهر، وينتظر أن يترجم في خطوته الأخيرة عبر صدور قرار المقام السامي بإقراره، لتبدأ العمل بموجبه مصلحة الزكاة والدخل.
6) قيام وزارة الإسكان بتقديمها دراسة فرض الغرامات على الأراضي البيضاء، إلى هيئة كبار العلماء للنظر فيها، ويتوقع أن تحظى بقبول الهيئة لعظم المنفعة التي ستترتبَ عليها تجاه البلاد والعباد، ومن ثم تصبح في موقع التنفيذ بعد إقرار العمل بلائحتها التنفيذية من المقام السامي، ويتم تحصيل إيراداتها من قبل وزارة الإسكان.
لم يستغرق القيام بكل ما تقدم ذكره من جهود جادة وملموسة أكثر من نصف العام! ما يعني أن الدولة -أيدها الله- عزمت الأمر بكل حزم على إغلاق ملف واحدة من أكبر الأزمات التي واجهت الاقتصاد الوطني، كما أنه يبرز كمؤشرات واضحة المعالم المستقبل الذي ستكون عليه السوق العقارية والإسكانية محليا، يؤمل أن ترى نتائجها المثمرة والعائدة بالنفع على البلاد والعباد قريبا.
وتأييدا لتلك التوجهات الجادة، وطموحا في تحقق نتائجها على وجه السرعة، رأيت في الوقت الراهن تقديم “أربعة مقترحات” ذات ارتباط وثيق بالأزمة الإسكانية الراهنة، قابلة للزيادة وفقا للتطورات المرتقبة، أرى أنها ستسهم -بإذن الله- بسرعة تجاوز هذا التحدي التنموي الجسيم. أدونها في نقاط مختصرة، مقرونا كل مقترح بالهدف منه، آملا في أن يحظى باهتمام الجهات ذات العلاقة، ودراسته بصورة عاجلة، والعمل من ثم على ترجمته واقعا، المقترحات كما يلي:
المقترح الأول: أن يتم تحويل أكبر قدر ممكن من الأراضي الملغى صكوكها من قبل وزارة العدل، والمستردة لأملاك الدولة إلى وزارة الإسكان، وإلى الجهات الحكومية التي سيأتي ذكرها لاحقا في بقية المقترحات. هذا بدوره سيوفر لوزارة الإسكان وبقية الجهات المقترحة مخزونا كبيرا من الأراضي، يسهل كثيرا من مهمة توفيرها، ويمنحها ميزة أكبر من حيث جاذبية مواقع المساكن، خاصة الأراضي التي تقع في مواقع يتوافر لها أغلب الخدمات والبنى التحتية اللازمة.
المقترح الثاني: بناء على القدرة الكبيرة على مستوى تنفيذ المشروعات، التي تتمتع بها الوزارات التالية: وزارة الدفاع، وزارة الحرس الوطني، وزارة الداخلية، وكونها تضم مجتمعة شريحة واسعة من المواطنين العاملين فيها، إضافة إلى المتقاعدين منها، قد يكون ضمن الحلول الأنسب في مواجهة أزمة الإسكان، أن تتولى تلك الوزارات معالجة طلبات منسوبيها سواء كانوا على رأس العمل، أو كانوا متقاعدين، أو حتى ورثة المتوفين من كانوا يعملون فيها. ذلك أن تلك الوزارات تتمتع بقدرة وخبرة أكبر دون أدنى شك مقارنة بوزارة الإسكان الحديثة التأسيس، إضافة إلى الأهمية النسبية لشرائح المواطنين العاملين فيها والمتقاعدين، ويمثلون شريحة لها وزنها العددي على مستوى المجتمع السعودي.
يهدف هذا المقترح الأهم بين هذه المقترحات، إلى سرعة معالجة أزمة الإسكان بالنسبة لتلك الشريحة الواسعة من السكان، واختصار مهم لعامل الزمن، عدا ميزة التفوق والإتقان التي ستحظى بها مشروعات الإسكان حسب كل وزارة من تلك الوزارات عند التنفيذ، والشواهد الفعلية على ذلك قائمة على أرض الواقع ولا تحتاج إلى أي عناء لإثباتها. ويمكن تخصيص الأراضي اللازمة للتنفيذ من المقترح الأول أعلاه، وبالنسبة للتمويل اللازم عبر اعتماده في ميزانيات تلك الوزارات، وعبر ما يتم استقطاعه حسب الحاجة من متحصلات الغرامات كما سيأتي ذكره الآن.
المقترح الثالث: أن يتم تمويل تكاليف إنشاء الوحدات السكنية المخطط لها من متحصلات الرسوم والغرامات على الأراضي البيضاء، بتوزيع متحصلاتها على كل من وزارة الإسكان لتمويل تكاليف تطوير الأراضي وإنشاء الوحدات السكنية، وصندوق التنمية العقارية بما يعزز من قدرته على زيادة حجم قروض الإسكان للمواطنين. كما يمكن توجيه أجزاء من تلك المتحصلات إلى الوزارات المذكورة أعلاه في المقترح الثاني.
وفقا للآلية المقترحة من قبل وزارة الإسكان في خصوص الغرامات على الأراضي البيضاء، يقدر أن تصل إيراداتها في العام الأول من تطبيقها إلى أكثر من 320 مليار ريال، ويتوقع مع زيادة تطوير تلك الأراضي أن تبدأ المتحصلات بالتراجع في الأعوام التالية، غير أنها ستبقى ذات أرصدة ضخمة، سيتخطى مجموعها في منظور الأعوام الخمسة الأولى سقف التريليون ريال.
المقترح الرابع: أن يتم تمويل مشروعات إسكان الشرائح الاجتماعية محدودة الدخل، من متحصلات الزكاة على الأراضي والعقارات المدرة، والمتوقع أن تبلغ حصيلتها مع أول عام أكثر من 152.1 مليار ريال، وذلك بالتنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية. والله ولي التوفيق.
المصدر: الإقتصادية
http://www.aleqt.com/2014/09/06/article_883904.html