كاتب وإعلامي سعودي
< في خبر نشرته صحيفة مكة قبل أيام عن دراسة قام بها الأخصائي الاجتماعي أحمد السناني ذكر فيها أن عدد العوانس في المجتمع السعودي يصل إلى أربعة ملايين عانس، هذا رقم أزعجني فهو رقم ليس بالقليل، فأربعة ملايين عانس تمثل نسبة عالية جداً، وتشكل ظاهرة اجتماعية خطيرة يجب التصدي لها على كل المستويات، وقد تكون لها عواقب اجتماعية ونفسية وأمنية على حالة المجتمع، ويبدو من هذا الرقم الصاعق أن مشكلة العنوسة لدينا في ازدياد وبوتيرة كبيرة؛ فقد ذكرت إحصائية سابقة في عام 2010 أن عدد العوانس في مجتمعنا كان في ذلك العام يصل إلى 1.5 مليون عانس، وبعد خمس سنوات يقفز الرقم إلى أربعة ملايين، وقد يتضاعف في الأعوام المقبلة، ونحن كمؤسسات اجتماعية رسمية وأهلية نتفرج وتفجعنا الأرقام ثم نتناسها حتى صدور أرقام أخرى.
الباحث السناني ذكر أن من أسباب العنوسة في المجتمع السعودي غلاء المهور وتكاليف الزواج الباهظة، وتأخير الآباء زواج بناتهم؛ رغبةً في المال، وارتفاع نسبة البطالة بين الشبان وأزمة السكن وغير ذلك من الأسباب، وباعتقادي أن من أهم أسباب العنوسة التي عرج عليها الباحث قضيتان هما: البطالة وأزمة السكن، وانعكاس هاتين القضيتين على إقبال وقدرة الشباب على الزواج؛ فمع ارتفاع نسبة البطالة التي تقدرها بعض الإحصاءات الرسمية أنها قد تصل إلى 11 في المئة من القوى العاملة في المجتمع، فهذه الشريحة لا تستطيع الزواج فكيف لإنسان لا توجد لديه وظيفة أن يُقبل على الزواج ومن سيقبل به أصلاً؟!
وفي حال حصل الشاب على وظيفة فكم سيكون دخله المادي والذي نعرف أنه لن يساعده على أن يقدم مهراً مرتفعاً في ظل جشع بعض الآباء والذين ينظرون بحالة من الجشع وكأنهم في عملية تجارية عندما يساومون وبالأرقام لتحديد مهور بناتهم.
الشاب وعلى افتراض أنه حصل على وظيفة بعد سنوات من تخرجه فكم من الزمن يحتاج إلى شراء أرض ومن ثم التقديم على الصندوق العقاري حتى يحصل على قرض لبناء منزله الخاص والذي قد تصل فترة الانتظار إلى سنوات طويلة، والشاب في هذه الفترة ومع دخل شهري متدنٍّ قد يدفعه إلى الإيجار فإنه لا يستطيع أن يشتري قطعة أرض صغيرة يبني عليها منزلاً.
علينا أن نواجه قضايا البطالة والدخل المتدني للشباب حتى نعمل بجد لمحاربة ظاهرة العنوسة، وإلا نضحك على أنفسنا ونبحث عن أسباب واهية لهذه المشكلة الاجتماعية. بعضهم يطرح أن النظرة التقليدية لمفهوم الزواج بين الأقارب أو من الطبقة الاجتماعية نفسها قد تكون من مسببات الطلاق، وهذه قد تكون موجودة لدى بعضهم، ولكن باعتقادي أن الأسباب الاقتصادية من بطالة وتدني المداخيل وأزمة السكن هي الأسباب الحقيقية لأزمة العنوسة لدينا، وعلينا مجابهة الأسباب وحلها حتى نصل إلى لب المشكلة.
مع إيماني بأن قضية الزواج من عدمه هي قضية شخصية يجب احترامها، سواء للرجال والنساء، وبعضهم قد يركز على عمله المهني ومعظمهم ينجحون فيه، لكن أن تصل أرقام العنوسة إلى الملايين فهذا يتطلب حلولاً من الأجهزة الرسمية لفئة الشباب وتوفير وظائف ومنازل لهم في مقتبل العمر.
لماذا مثلاً لا تنشئ وزارة الإسكان مشاريع سكنية، عبارة عن شقق تكون بمتناول أصحاب الرواتب المتوسطة والمتدنية حيث لا تؤثر أقساطها في حياة الشباب، وحتى لا نخلق مشكلة أخرى هي الطلاق والذي يتزايد هو الآخر بسبب الضغوط الاقتصادية على الشباب.
المصدر: الحياة