كاتب و ناشر من دولة الإمارات
«وقد نهفو إلى زمن بلا عنوان..
وقد ننسى وقد ننسى.. فلا يبقى لنا شيء لنذكره مع النسيان..
ويكفي أننا يوماً، تلاقينا بلا استئذان» فاروق جويدة
يجلس أمام بيته، فارغ من كل هموم اللحظة، تجلس معه ذكرياته، وسنين عمره التي انقضت كلمح البصر، يتمتم إنها السبعون ماذا بعدها؟
يحدث نفسه ويهمس لخريف العمر الممتد متى ستنتهي؟
خطوط يديه قصص لن تنتهي، يسلم على كل الغرباء والعابرين، يوزع ابتساماته المشرقة المريحة، ويدعوهم لقهوته المرة، يرمي البذور ليطعم الحمام الزائر، لم ينس يوماً قوتهم أو يمل منهم ولم ينسوا زيارته يوماً.
قال لي: أن الطيور كالبشر لا تهاب من مَن يعطيها الحرية والأمان، تخاف فقط من الذي يقتل فيها الحرية. جلست معه أنبش في قبر ذكرياته، أبحث عن حكمة الأيام، أريد أن أعرف سر ابتساماته وتألق نظراته. لم أشأ أن أثقل عليه الأسئلة وعندما تبادلنا أطراف الحديث لم يشأ أن يثقل عليّ الأجوبة هكذا كانوا أخفاء على القلوب. كنت أحاسب وأفكر في وقته، وكان هو أيضاً يفكر في وقتي، غادرني عندما سمع صوت الأذان وبقيت كلماته تسافر معي.
قال لي قبل أن يغادر ببساطته وهدوءه:
– انه عرف مبكراً جداً أن الهموم لا تدوم ونهاياتنا دائماً متشابهة.. لا أملك الكثير لكني غني براحة البال. يبدأ يومي وينتهي بدعاء وابتسامة. أعرف الكثير. وأهم ما عرفت في هذه الحياة السريعة أن الصمت أفضل المعارف. تجنبت النقاشات فصادقتني السكينة والسلام الداخلي. أجد في حب الحياة حياة أخرى، وأعلم يقيناً أن الحب هو أهم أسرار الحياة!. يذهب الكثير من يومي ما بين التأمل والملاحظة أعوض فيهما صداقاتي المنسية ووحدتي الاختيارية وسلاحي السري في هذه الحياة هو القناعة.
قد نتفق ونختلف معه، لكن في هذه الحياة لكل منا قناعاته واختياراته.
تركته وبقيت معي كلماته، كل جملة قالها أثارت لديّ الكثير من الأسئلة، نظرت خلفي ورأيت الكرسي يقبع وحيدا مستنداً على جدار الزمن، يحمل هو أيضاً ذكرياته الخاصة ومعاركه التي لا تنتهي مع الزمان، كان شاهداً مهماً وأساسياً لحقبتهم، يعرف الكثير من أسرارهم! نحن أحياناً نستصغر الجماد ولا نوفيه حقه، وقد يكون صنع خصيصاً ليعطينا الكثير من حقوقنا.
كان صاحبنا يهتم بكرسيه ويزينه بسجادة قصيرة ويغطيه عند ذهابه، كان مخلصاً للأشياء التي يحبها وجمال الحب في الإخلاص.
كان صادقاً عندما قال إن الهموم لا تدوم، لم أر إلى الآن هماً دام للأبد، لكن أن تعرف هذه الحكمة مبكراً في حياتك ستصنع الفارق لديك وتجعلك تنظر بمنظور مختلف لمستقبلك.
وكان من أهم ما قال إن النهايات دائما متشابه! وهذه ليست دعوة للجلوس والاستسلام لقدرك لكنها للتأمل في طريقة سيرك وأهمية محطاتك، هناك محطات لابد أن تقف بها وأخرى عليك سريعاً أن تتخطاها، وثانية لا بد أن ترجع لها.
طريق الحياة له بداية ونهاية، نتشابه في البدايات والنهايات، ونختلف في طريقة العبور.
مضى زمن منذ أن زرته، مررت ثانية لأسلم عليه واستقوى على هذه الحياة الصعبة بابتسامته، أشد من آزره ويشد من آزري، وجدت الكرسي المكسور يتكئ بحزن على الجدار، عرفت أن صاحبنا الجميل قد ودع المكان.
المصدر: صحيفة الإتحاد