إعلامي سعودي
الإمارات العربية المتحدة الدولة التي كانت مع العرب في كل مراحلهم، وتمد يد الخير والمساعدة وتقف إلى جانب مبادرات الصلح وجمع الشمل، تتعرض للجحود ممن كان يفترض فيهم الوفاء ورد الدين. كان الشيخ زايد رحمه الله، وبطبعه العربي الأصيل يخاطب العرب ويناشدهم أن يجتمعوا على الخير وأن يتحدوا من أجل مصلحة شعوبهم.
وكثيرة هي مبادرات الصلح بين دول عربية كانت دولة الإمارات هي التي تقوم بوساطات الصلح. كما أن المساعدات إلى اليمن بكل طوائفه ومكوناته كانت مستمرة على الدوام.
وحينما كان التحالف العربي كانت الإمارات الدولة الوفية التي شاركت بفعالية من أجل شعب شقيق يتعرض لمحاولة استلاب حقوقه وتحويله إلى محمية تتبع المرجعية الإيرانية. شعب اليمن الأصيل المعروف بعروبته ومبادئه وأخلاقه يتعرض إلى هجمة من طائفة خالفت كل المواثيق والاتفاقيات وتمادت في التوسع مستندة إلى دعم خارجي. وكانت السعودية وبوقفة الملك سلمان بن عبد العزيز الحازمة، الذي دشن عاصفة الحزم بتحالف عربي ودولي نادر.
وبادرت دولة الإمارات وبقية دول الخليج في المشاركة في تكوين هذا التحالف العربي الذي يعد سابقة في المنطقة، وهم هكذا الخليجيون حينما تمتزج دماؤهم من أجل هدف نبيل هم يعطون رسالة للحاضر والأجيال القادمة أن الخليج مصيره واحد، وأن تحالف الخليجيين وتكتلهم كوحدة واحدة هو الذي يحميهم من التحديات الخارجية.
تجربة دول الخليج في وقفتها التاريخية من أجل تحرير الكويت ملمح لا يغيب عن الذاكرة، حينما تشاركت الجيوش الخليجية مع القوات الدولية في تحالف ضخم من أجل تحرير الكويت وامتزجت دماء الخليجيين على الأرض الكويتية من أجل الوقوف إلى جانب شقيقهم الكويتي، وكان ذلك بالفعل. وسجل القادة الخليجيون موقفا لن ينساه الكويتيون ولا أبناء الخليج. وصناعة التاريخ تحتاج إلى قادة كبار والى شعوب تحمل الأصالة والانتماء. فالأحداث الكبيرة كما تكشف معادن الرجال فهي تكشف أصالة الشعوب.
وشعب الإمارات كان شخصا واحدا وقلبا واحدا حينما استشهد 45 من أبنائه رحمهم الله جميعا وأسكنهم فسيح جناته، ورغم صعوبة الجرح وقوة الفاجعة إلا أن الإماراتيين أثبتوا صلابتهم وقوتهم ليس فقط كجيش شجاع وأبطال على حجم المسؤولية، بل كشعب تكاتف ووقف متصبرا مؤمنا بالله ومتعاضدا مع قيادته، واندفع بالألوف إلى المستشفيات للتبرع بالدم.
لن ينسى الخليجيون هؤلاء الشهداء فهم شامة عز في جبين الخليج، وهم لهم في قلب كل خليجي بصمة. نعم الفراق صعب والشهداء من خيرة الشباب، لكنهم لم يموتوا بل أحياء عند ربهم يرزقون. وعبر التاريخ الأبطال هم الذين يصنعون تاريخ بلادهم ومن يراجع التاريخ يجد أن البطولات التي ينسجها هؤلاء الشرفاء هي التي تحمي بلادهم وعرضهم وكرامتهم، بل وتغير مسارها التاريخي ومصير وجودها.
الدماء الخليجية امتزجت في يوم تاريخي، فعشرة شهداء من السعودية وخمسة من البحرين رحمهم الله جميعا. كلهم كانوا على قلب واحد ولهدف نبيل من أجل نصرة إخوانهم اليمنيين. هؤلاء الشهداء هم من يصنعون عزتنا وكرامتنا. ويعطون رسالة بأرواحهم لكل المتربصين الذي يخططون من أجل الاعتداء على بلداننا. هؤلاء الذين كانوا ينظرون للشعوب الخليجية على أنها شعوب مرفهة وغير قادرة على مواجهة الحروب، جعلتهم الآن يعيدون حساباتهم، فالخليجيون سيفدون بأرواحهم مهما كانت التضحيات من أجل حماية بلادهم وشرفهم.
يخطئ من يتصور أن فاجعة استشهاد هؤلاء الأبطال سوف تضعف أو تحبط من معنويات وإرادة الخليجيين، بل بالعكس من شاهد أهاليهم وزملاءهم في القوات العسكرية وكلهم إيمان قوي بالله، ثم ثقة في أنفسهم وفي قياداتهم، وهم يعبرون عن رغبتهم في المشاركة في القتال. هذه الحادثة كانت ملحمة وطنية تقول باختصار أننا أقوياء بالله أولاً ثم بأبنائنا.
العالم يحترم القوي، ومن كان يعتقد أن دول الخليج سوف تبقى تنتظر مبادرات من الدول العظمى خاب ظنه، لأنهم هم من قادوا المبادرة بأنفسهم، وهذا ما جعل عواصم العالم تحترم القرار الخليجي وتنظر باحترام لتكتل الخليجيين وتعاضدهم ووقفتهم الواحدة.
لن ننساهم. سوف يبقى كل شهيد اسماً محفوراً في الذاكرة. وربما في الأزمات تأتي الفرص. فهذه رسالة أن مصير الخليج واحد وأن لا مستقبل لنا إلا أن نكون كتلة واحدة على قلب واحد. رحم الله الشهداء فهم غادروا ولكنهم منحونا الثقة في انفسنا، ووضعوا علينا مسؤولية بأن نرتقي في فعلنا وأهدافنا وتعاوننا إلى حيثما تكون مرتبة الروح، أي أنهم أرخوا لنا هذا التاريخ، والمسؤولية هي علينا جميعاً.
المصدر: صحيفة البيان