داعية إسلامي من السعودية
مرات ليست بالقليلة، أتمنى أني لو كتبت المقال الذي كتبه أحد الزملاء، وأحيانا أتمنى لو أني ألفت أو جمعت المؤلف الذي صاغه أحد الفضلاء؛ ومن هذا وذاك كتاب (العمامة) الذي صدر مؤخرا للقدير النبيل سعادة الأستاذ سعود الرومي مدير عام المهرجان الوطني للتراث والثقافة “الجنادرية”. كتاب جميل أصدره المهرجان برعاية وزارة الحرس الوطني، تمنيت أني لو كتبته لمسائل متعددة، من أهمها أن غالبنا ـ وللأسف ـ غارق في (التفكير النمطي)، الذي جعله يصدر أحكامه اعتمادا على الأفكار الجاهزة التي استوردها من عاداته وتقاليده وموروثاته؛ فصار الحكم على لابس (الشماغ) مختلفا فيما لو لبسه اللابس بعقال، أو بدون عقال، وصار الحكم عنده على من تلبس (العباية) مختلفا فيما لو لبستها السيدة العفيفة على كتفها أو فوق رأسها. أما العمامة ـ فهذه المسكينة ـ قد يعاني من يلبسها من كلام الناس، خصوصا أولئك الذين يستغلونها لتصنيف الآخرين، ويجعلونها دليلا على أوهامهم، ومن ذلك زعمهم أنها معينة على الطائفية، وموقدة لنارها، والمؤلم أنهم يظنون أنهم الأكثر ديانة ووطنية ممن لم يلبسها.
كتاب (العمامة) أوضح فيه الأستاذ الرومي أنها وسام شرف، وتاج يجمل صاحبه، وفيه تفاصيل جميلة عن أهمية العمامة، وفوائدها، وأشكالها، والمسائل الفقهية المتعلقة بها، والأحاديث الواردة فيها، وما قيل فيها، وغير ذلك من موضوعات.. المؤلف تحدث ـ فيما تحدث ـ عن العمامة عند العلماء والمحدثين، وصفة عمامة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ـ القصيرة سبع أذرع، والطويلة اثنتي عشرة ذراعا ـ، وتكلم عن المسح عليها عند الوضوء؛ فنقل جواز ذلك عند السادة الحنابلة، وفصل ما ذكره المالكية والشافعية في شروط تجويزهم ذلك. ونقل قول الأحناف والحنابلة في جواز السجود عليها، وذكر قول المالكية في سنية تكفين الرجل بها.. الكتاب أثبت أنه صلى الله عليه وسلم عمم بعض صحابته الكرام، وأهداها ـ العمامة ـ لبعضهم، وكان لا يولي واليا حتى يعممه.
العمامة صنفت فيها تصانيف كثيرة، ومن أبرزها (درر الغمامة في در الطيلسان والعذبة والعمامة) للإمام ابن حجر الهيتمي، و(المقالة العذبة في العمامة والعذبة) للإمام علي القاري، و(الدعامة في أحكام سنة العمامة) للسيد جعفر الكتاني وغيرها، وكلها تشير إلى أن تعوده – صلى الله عليه وسلم – على لبس العمامة أمر ثابت في الأحاديث الصحيحة، ولا يمكن لأحد إنكاره، ولذا تواتر حض العلماء على لبسها، وأضيف ـ وللإنصاف ـ أني لا أراها أمرا لازما، ومع ذلك لا أستطيع إغفال ذكر أن إرث العمامة يساعد على الوقار، والشعور بالعز، وكيف لا، وقد قيل قديما: “العمائم تيجان العرب”.
الكتاب ذكرني ببعض أبيات جميلة، من جملة 16 بيتا، حفظناها قديما، ونسبت للشاعر الزعيم سليمان باشا الباروني، المتوفى عام 1359:
لبست التاج تاج الفخر كيما
أرى أن العمامة من شؤوني
وأنشد قول من هزم السرايا
وخاض برمحه لجج المنون
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا
متى أضع العمامة تعرفوني
فإن العز معقود لواء
على هام العمائم والحصون
تعمم سيد الخلق المفدى
كذا الخلفاء في خير القرون
تعممنا فنلنا كل فخر
تطربشتم فما نلتم أروني..
الشكر كل الشكر للحرس الوطني على تبنيه هذا الإصدار الجميل للأستاذ سعود الرومي، وأتمنى أن يحقق تعديلا في (اللا منطقية) التي يعاني بعضنا منها.
المصدر: الوطن أون لاين