أبوظبي: أشجار القرم.. حاضنة بيئية طبيعية

منوعات

تغطي أشجار القرم مساحة 75 كيلو مترا مربعا بالدولة وتضم الامارات أحد الانواع النادرة الذي يطلق عليه القرم الرمادي أو أفيسينيا مارينا فيما تأوي إمارة أبوظبي (85 %) من أشجار القرم الموجودة بالدولة.

وتعتبر أشجار القرم كنز بيئي، فهي ذات اهمية اقتصادية وبيولوجية كبيرة لاحتضانها العديد من الكائنات البحرية حيث تقوم بيئة الجذور بوظيفة محاضن طبيعية للثروة السمكية اذ تعتبر ملجأ للأسماك الصغيرة كما تعتبر الحاضن الطبيعي الوحيد للروبيان وفى نفس الوقت تقوم بحماية الشواطئ من التآكل كما تستخدم مأوى لتعشيش الطيور.

وتصنف مستنقعات القرم على انها من أغنى البيئات في البيئة البحرية وتتميز أشجارها بمقاومتها الشديدة للملوحة كما تتميز بنمو جذور هوائية من مجموعها الجذري المتشعب المغمور تحت سطح الماء حيث ترتفع فوق السطح بارزة كأعمدة صغيرة لتسهل للجذر المغمور الحصول على الهواء الجوي والقيام بالتنفس.

وتنمو أشجار القرم في مناطق المد والجزر وبالرغم من أن زيادة مساحة غابات القرم في إلامارة إلا أن هناك بعض المواقع التي تأثرت فيها أشجار القرم بشكل سلبي نتيجة النشاطات البشرية مثل شق الطرقات وحفر القنوات.

ووفقاً للقائمة الحمراء للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة فقد تم تصنيف أشجار القرم ضمن الأنواع المهددة نتيجة فقدان مواطنها الطبيعية في العديد من مواقع تواجدها، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى عمليات اقتلاعها وتنمية المناطق الساحلية.

وكان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – رحمه الله قد أطلق في أواخر السبعينات من القرن الماضي العديد من برامج التشجير واسعة النطاق لزراعة أشجار القرم في دولة الإمارات ساهمت إلى حد كبير في اتساع رقعة غابات القرم على مدى العقود الماضية.

تؤكد الدكتورة شيخة سالم الظاهري، المدير التنفيذي لقطاع التنوع البيولوجي البري والبحري بهيئة البيئة-أبوظبي على أهمية المحافظة على أشجار القرم وحمايتها خاصة في ظل امتلاك دولة الإمارات 75 كيلومتراً مربعاً من غابات القرم حيث تعتبر من الأنواع الفريدة التي تساعد في الحد من تأثير التغيرات المناخية، وتلعب دوراً أساسياً في النظام البيئي البحري وتوفر موطناً مهماً يحتضن العديد من أنواع النباتات والحيوانات المائية والبرية وتشكل حضانة مهمة لمخزون الإمارة من الأسماك وحاجزاً طبيعياً لحماية المناطق الساحلية من الظواهر المناخية القاسية.

وبالرغم من أنها واحدة من الأنواع الطبيعية المهمة، إلا أن النظام البيئي لغابات القرم يمكن أن يتأثر سلباً بالأنشطة البشرية – مثل التنمية الساحلية، وأعمال الحفر وحركة القوارب.

جزيرة السعديات

وحول مشروع تطوير جزيرة السعديات وتأثيره على اشجار القرم في الجزيرة يؤكد المهندس فيصل الحمادي نائب المدير التنفيذي لقطاع جودة البيئة بهيئة البيئة ان مشروع تطوير جزيرة السعديات من المشاريع المهمة والتي راعت الالتزام بإجراءات الترخيص البيئي في هيئة البيئة- أبوظبي والتي من شأنها التأكد من حماية البيئة في الجزيرة وبالأخص البيئة البحرية .

ويشير الى ان شركة التطوير والاستثمار السياحي ( المطورة للمشروع ) قدمت سلسلة من الدراسات البيئية في كافة مراحل المشروع على النحو من خلال دراسة التقييم البيئي الاستراتيجي وتقييم الأثر البيئي وفي هذه الدراسات يتم الكشف المبكر عن الآثار البيئية المتوقعة في كافة مراحل تطوير الجزيرة ويتم وضع تدابير بيئية لمحاولة تفادي هذه الآثار أو الحد منها.

ويضيف الحمادي : تم ايضا دراسة الخطة البيئية الشاملة لإدارة الأعمال الإنشائية ووضع تقارير التدقيق الربع سنوية والتي ما زالت قائمة إلى حين الانتهاء من الأعمال الانشائية للمشروع وذلك للتأكد من التزام المشاريع بالتدابير البيئية المقدمة في الدراسات المذكورة أعلاه والموافق عليها من قبل الهيئة.

ويشير الى ان 3من بين التدابير البيئية التي تمت في مرحلة تصميم جزيرة السعديات هو مراعاة حركة المياه الهيدروديناميكية في القناة الشمال- شرقية في الجزيرة عن طريق تغيير تصميمها وذلك لمنع ظاهرة ركود المياه في قناة جزيرة السعديات وقد راعى تصميم الجزيرة تواجد مساحات مستخدمة كـ”حضانات” لأشجار القرم (المانجروف) التي زرعت في هذه المساحات عوضا عن أشجار القرم بنسبة شجرتين لكل شجرة مــقلوعة خلال الأعمال الإنشائية للمشروع.

ومن بين التدابير الخاصة بحماية البيئة البحرية في جزيرة السعديات عدم القيام بأي أعمال إنشائية على مسافة تقل عن 200 متر عن شاطئ البحر وذلك للحفاظ على أعشاش سلاحف البحر والتي تكثر في شواطئ الجزيرة.

وللحفاظ على المياه ولتشغيل المشاريع بطريقة مستدامة تقوم شركة التطوير والاستثمار السياحي بري ملاعب الغولف في الجزيرة بالمياه المعالجة بدلا عن المياه العذبة بناء على توصيات الهيئة وموافقتها على هذه التدابير.

وتعتبر جزيرة السعديات بمثابة الحاجز (الحيد) الواقع في شرق جزيرة أبوظبي، وهي تأخذ شكل المثلث، ويطل حوالي 10 كلم من الخط الساحلي الشمالي للجزيرة على الخليج العربي. وتميز البيئة البحرية شمال السعديات بتنوع الموائل والأنواع، مما يضفي عليها المزيد من التفرد والخصوصية. كما تتمتع الجزيرة بثراء الحياة البحرية التي تعتبر أحد العوامل الجاذبة للسياحة البيئية، ويشمل ذلك الشعاب المرجانية، وأعشاب قاع البحر، وسلاحف منقار الصقر والسلاحف الخضراء المهددة بالانقراض، بالإضافة إلى الدلافين، ووفرة الأسماك التجارية، والأسماك المرجانية الملونة.

دعم التشجير

وتبذل هيئة البيئة – أبوظبي جهوداً حثيثة لدعم برامج زراعة أشجار القرم في إطار الإجراءات التي تتخذها لدعم مواطن هذه الأشجار. ويسهم هذا النوع من مشاريع التشجير في تخفيف الآثار الناجمة عن التجريف وتآكل التربة وخسارة المواطن الطبيعية. وكانت الهيئة قد قامت بتنفيذ آخر البرامج الناجحة لزراعة أشجار القرم في فبراير 2011، حيث تمت زراعة 800 ألف شجرة في جزيرتي السعديات وجبيل.

ونجحت هيئة البيئة مؤخرا في حماية ما يقرب من 60.000 متر مربع من أشجار القرم في أحد الجزر بعد ان كشفت تقارير المفتشين البيئيين عن خطة أحد المطورين لتنظيف المنطقة بهدف توسيع القناة المائية. وقد تم اكتشاف هذه المخالفة من قبل مفتشي الهيئة خلال زيارة روتينية لموقع المشروع.

تأهيل وحماية

تتولى هيئة البيئة-أبوظبي مهمة إعادة تأهيل وصون وحماية غابات القرم في سبعة مواقع رئيسية منها: جزيرة السعديات، وجزيرة الجبيل، ومحمية المروح البحرية للمحيط الحيوي، المناطق المحمية في بوالساييف ورأس غراب، والكورنيش الشرقي ورأس غناضة.

ونجحت هيئة البيئة أبوظبي في إعادة توطين نوع من أشجار القرم يسمي ب( ريزوفورا مكروناتا ) والذي كان ينمو بصورة طبيعية في الدولة ثم تعرض للانقراض بسبب الاستغلال المفرط حيث تمكنت الهيئة من خلال زراعة أعداد كبيرة من شتلات هذا النوع في مياه جزيرة رأس غناضة وذلك بعد 100 سنة من انقراضها.

نزهة في غابات القرم الخضراء بأبوظبي

نظمت هيئة البيئة – أبوظبي زيارة إلى أشجار القرم لمجموعة من الصحافيين والكتاب، تم خلالها الكشف عن الثروة الزراعية “أشجار القرم” التي تزخر بها دولة الإمارات عموماً وإمارة أبوظبي على وجه الخصوص، باعتبارها أحد عناصر الجذب السياحي ومصدراً مهماً من مصادر الدخل الاقتصادي، نتيجة عوامل كثيرة منها احتواء بحيرات أشجار القرم المحيطة على كميات ضخمة من القشريات مثل الروبيان، وتكوين شريط الأشجار كاسر أمواج طبيعي للتيارات البحرية.

واستخدم الفريق الزائر القوارب كوسيلة نقل، وحظي الجميع بفرصة لمشاهدة بعض ملامح الطبيعة الخضراء في جزيرة أبوظبي، عبر التنقل في ممرات بحرية تحيط بها أشجار القرم، وعلى ضفاف المجرى المائي انتشرت أنواع عديدة من الطيور بعضها يتوقف أثناء رحلة الهجرة الطويلة، كما يمنع اصطياد الطيور والأسماك في المنطقة.

ومن المفارقات الجميلة خلال زيارة أشجار القرم في أبوظبي، أنها تنقلك بعيداً عن صخب المدينة رغم محاذاة الشوارع العامة للمنطقة، وتبعث الهدوء والسكينة، فالطيور تعزف سيمفونية بأصواتها الرائعة، وهذه المقومات جميعها جعلت بعض السياح يرتادون المنطقة باستمرار، وما يثبت ذلك تجديف أفواج من السياح في بحيرات أشجار القرم باستخدام قوارب صغيرة.

وأثناء مرور القارب على الضفاف، لفت انتباه الجميع بعض الشتلات الصغيرة من أشجار القرم غرسها طلبة المدارس والجامعات أثناء زيارتهم المنطقة اقتداءً بنهج المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وانسجاماً مع التوجهات السامية نحو الاهتمام بالبيئة والحياة الفطرية، والتي تعكف هيئة البيئة بأبوظبي على ترجمتها من خلال المشاريع التي تُعنى بالبيئة، وفرض العقوبات وردع كل من تسول له نفسه لتهديد ثروة أشجار القرم وغيرها من الأشجار.

وكانت بعض الشركات والمطورين يتكفلون أثناء تنفيذ المشاريع بزراعة أشجار القرم وتعويض ما تم اقتلاعها بزراعة أشجار جديدة من أشجار القرم، وثبت في دراسة أجرتها هيئة البيئة بأبوظبي أن أشجار القرم حديثة الزراعة أقل امتصاصاً للكربون مقارنة بالأشجار المزروعة منذ نحو أربعين أو خمسين عاماً.

المصدر: البيان