جميل الذيابي
جميل الذيابي
كاتب وصحفي سعودي

أبوظبي.. القاهرة.. ورجل العرب

آراء

العلاقات السعودية – الإماراتية في الفترة الأخيرة مميزة ومتميزة وصامدة في وجه أية محاولات لاستغلال ظروف الإقليم للمس بأمن دول الخليج، حفاظاً على وحدة الصف والمصير الواحد والتعاون البنّاء.

الرياض وأبوظبي، توافقتا على الموقف من سياسة قطر، وهو ما دعاهما إلى جانب البحرين لسحب سفرائها من الدوحة. الإعلان عن موقف موحد يدعم مصر مادياً ومعنوياً، ويرفض أية محاولة للضغط عليها للاستجابة لجماعة «الإخوان المسلمين». رؤية واحدة حتى وإن اختلفت نوعية التصريحات الإعلامية حول الممارسات والسلوكيات الإيرانية، وكذلك السياسة التركية بالتدخل في شؤون مصر. دعوة الفلسطينيين إلى ترتيب البيت الداخلي، وعدم استمرار الخصومة والانقسام بين الفصائل المتطارحة، ما أضرّ بالقضية الفلسطينية. استهجان سياسات حكومة المالكي، واستخدامها سلاح الطائفية، وإطلاق يد إيران في العراق. الاتفاق في شأن الأزمة السورية، وأن الحل في رحيل نظام بشار الأسد. دعم حكومة منصور هادي في اليمن، وضرورة تنفيذ بنود المبادرة الخليجية.

قبل شهر، كرّمت أبوظبي العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز باعتباره شخصية العام، مانحة إياه جائزة الشيخ زايد التي تسلّمها نيابة عنه نجله الأمير متعب بن عبدالله. ثم لم تمضِ 72 ساعة بعد التكريم إلا وأُطلق اسم الملك عبدالله على أحد الشوارع الرئيسة الشهيرة في أبوظبي، تقديراً وعرفاناً لمواقفه تجاه القضايا الخليجية والعربية والإسلامية.

وقبل أيام أُعلن في أبوظبي عن اتفاق السعودية والإمارات على تشكيل لجنة مشتركة للعمل على تنفيذ الرؤية الاستراتيجية لقيادتي البلدين، للوصول إلى آفاق أرحب وأكثر أمناً واستقراراً لمواجهة التحديات في المنطقة، وذلك في إطار كيان قوي متماسك يعود بالخير على الشعبين، ويدعم مسيرة العمل الخليجي المشترك.

العلاقات الأخوية بين البلدين تجاوزت «مطبات» مرّت بها في أعوام سابقة، وواجهت تحديات خطرة، رافضة الخضوع لأية ضغوطات في شأن ملفات المنطقة الساخنة سواء أكانت في الداخل الخليجي أم مصر أم سورية أم لبنان، أم برنامج إيران النووي، أم موقفهما المشترك من جماعة الإخوان المسلمين، بل وأبدتا مواقف حادة وجادة ضد من يحاول استخدام جماعات الإسلام السياسي للضغط عليهما بغية تغيير بوصلتهما السياسية تحقيقاً لمآربه، ولاقتسام مصالح المنطقة ومنافعها على حساب إرادة شعوبها.

مناسبة المقالة.. كنت في جلسة عريضة مع مجموعة من المثقفين العرب في أبوظبي، ودار الحديث حول تكريم خادم الحرمين الشريفين هناك، واستحقاقه التكريم جراء مواقف بلاده الإنسانية والسياسية مع الشعوب العربية والإسلامية.

لست في وارد تدبيج المدائح لرجل يستحقها، لكنني لم أجد من بين تلك المجموعة المتناغمة من لم يشهد بأن الملك عبدالله شخصية عربية مؤثرة ومحترمة وفاعلة، وذات رؤية إنسانية، وقد استشهد الأمين العام لجائزة الشيخ زايد للكتاب علي بن تميم في كلمته وهو يتحدث عن الملك عبدالله بأبيات للشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري، قالها في (أخيه) الملك فيصل بن عبدالعزيز:

فتى عبدالعزيز وفيكَ ما في * أبيك الشَهمِ من غُررِ المعاني

لكم في ذمة الأحرار دين * وأكرم بالمـدين وبالمـدان

للعاهل السعودي مواقف شجاعة في الوقوف إلى جانب الشعوب العربية، منها رفض الضغوطات الغربية على مصر، وآخرها ما ورد في كلمته لتهنئة الرئيس عبدالفتاح السيسي بعد فوزه بانتخابات الرئاسة المصرية بقوله: «إن المساس بمصر هو مساس بالسعودية»، وكذلك رفض بلاده مقعد مجلس الأمن الدولي بعد الفوز به بغالبية ساحقة، بسبب مواقف أعضائه الدائمين وعدم اكتراثهم بما يجري في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً في سورية وفلسطين.

صلابة الموقف السعودي بعدم التوافق مع سياسات واشنطن المتخاذلة، وآخرها ما دار خلال زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الرياض أخيراً، والإعراب علانية عن أن المملكة تحركها مصالحها الخاصة، واعتباراتها الإقليمية والاستراتيجية، وطموحات الشعوب العربية.

في الداخل، وخلال تسعة أعوام من عهد الملك عبدالله سجلت المملكة موازنات تريليونية ضخمة لم تسجلها من قبل، وتم تدشين مشاريع اقتصادية وتعليمية ضخمة، ويتبادر إلى الذهن أولاً «المشروع الذهبي»، برنامج الابتعاث إلى جامعات الدول المتقدمة، الذي يدرس ضمنه نحو 150 ألف مبتعث ومبتعثة، سيكون لهم تأثير واضح في مستقبل البلاد، وارتفاع عدد الجامعات إلى 28 جامعة في المناطق والمحافظات السعودية بدلاً من 7 جامعات، وتحسين وتطوير القضاء ودعمه، وإنشاء هيئة لمكافحة الفساد، وهيئة لحقوق الإنسان لضمان العدالة الاجتماعية.

كما فتح باب المشاركة للمرأة، ودخلت عضواً في مجلس الشورى، وفتح لها المجال في انتخابات المجالس البلدية، وأصبحت المملكة في عهده ضمن مجموعة دول الـ20 الاقتصادية العالمية.

ولم تقف مبادراته عند حدود بلاده، بل أطلق مركزاً لحوار الأديان والحضارات في جنيف، بعد أن دشّن حواراً سعودياً – سعودياً، نتج منه مركز للحوار الوطني، ودعوة بلاده لإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب تحت إشراف الأمم المتحدة.

كما أن الملك عبدالله ممن سارع قبل «الربيع العربي» إلى دعوة زعماء العالم العربي خلال قمة الكويت الاقتصادية في 2009 إلى الإعلان عن مصالحة تاريخية، والاهتمام بطموحات الشعوب العربية للخروج من حال الوهن والتشرذم. ومما جاء في خطابه آنذاك: «إننا قادة الأمة العربية مسؤولون جميعاً عن الوهن الذي أصاب وحدة موقفنا، وعن الضعف الذي هدد تضامننا، أقول هذا ولا أستثني أحداً منّا».

ثم دعوته قادة دول العالم الإسلامي إلى قمة استثنائية في مكة المكرمة للتضامن في رمضان عام 2012، ودعوته قبل عامين دول مجلس التعاون الخليجي إلى تجاوز مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد خلال قمة خليجية عقدت في الرياض، بهدف تشكيل كيان واحد قوي قادر على مواجهة التحديات والأخطار المحدقة.

الأكيد أن عبدالله بن عبدالعزيز عمل على توفير الأمن والاستقرار لبلاده في إقليم مضطرب يموج بالأخطار، وساند ودعم أشقاءه الخليجيين وإخوته العرب.

لست ممن يزعم أن الحقوق في السعودية تمنح كاملة غير منقوصة، أو أن البلاد لا تحتاج إلى إصلاحات، لكن الأكيد أن الملك عبدالله رجل استثنائي، وملك شجاع، وقائد محبوب، ويحظى بشعبية جارفة تتجاوز حدود بلاده، وكما قال عبدالفتاح السيسي، قبل فوزه في انتخابات الرئاسة المصرية : «خادم الحرمين الشريفين كبير العرب وحكيم العرب ورجل العرب».

المصدر: الحياة