أبوظبي من العصر الحجري إلى التنويري

آراء

عندما يتم اقتفاء الأثر، تبدو الأرض مثل زهرات تفصح عن بتلاتها، ويبدو الكشف الأثري مثل مصباح يسلط ضوءه على جوهرة في أعماق البحر.

هكذا هي أبوظبي التي بدأت تكسب عذب زلالها عند شفة الوعي، وتقدم للناس المكنون، وما يكمن في معطف الذاكرة من مخزون يكفي لأن يقول للعالم نحن هنا، في صلب الموقف، كما أننا في أب الحدث، نحن لسنا طارئين على الحياة، بل نحن مؤسسون فاعلون، مؤثرون جداً في الحضارة الإنسانية، وما تقدمه الاكتشافات الأثرية العلمية، ليست قصيدة يتيمة لشاعر مجهول، بل هو نحن على سبورة الحياة، تركه الأجداد ليكون درساً للأجيال ويكون علامة بارزة على حضارة ظبيانية قديمة قدم الدهر، ولم يكن الإنسان هنا في يوم من الأيام مسافراً عبر الزمن، وإنما هو راسخ مثل الغافة، مثل الأكاسيا، مثل النخلة، إنه الإنسان الموازي للأرض، المساوي للصحراء، إنسان بلغ مبلغ النضوج ليس ببلوغ النفط وإنما ببزوغ شمس الصحراء التي أعطته السراج، كي يمضي في الحياة ويطرح أسئلته الكبرى، ويقول ربي كيف تحيي الموتى، فيجيب الخالق الباري، لك في الحياة طريقان، فإما أن تعيش أو لا تعيش، والحياة تحتاج إلى عمل دؤوب ومثابرة، وهكذا اتخذ الإنسان هنا طريقه إلى الحياة بوحي من رب الكون، بأن يعمل ويجد ويجتهد لكي يضيء حياته بالأمل، رغم ما للظروف من مخالب قاسية، إلا أن الإرادة كانت أقوى من المخالب، وأصلب من المثالب، فسارت الركاب محملة بأمنيات أصحاب الشيم والقيم، وعبرت الرمال الذهبية بوعي لا تشوبه شائبة اليأس، وقلب لا تعرقله خائبة البؤس، وتلاقت الإرادات حتى أصبحت جبلاً من البذل والعطاء والإبداع، فثمانية آلاف من البحث عن ضوء القمر، كانت كفيلة بأن تصنع وعياً وطنياً ووجودياً، بأهمية أن نكون في كون لا يحترم إلا الأقوياء، والبقاء فيه لا يحتمل الضعفاء، وبقيت القوافل عند قمة الكثيب، تنظر إلى الأفق غير مبالية برمادية الغيمة، لأن الأهداف أكبر من ملاءة السحابات الطائشة والمخربشة على صفحات الوجود، كان للوجدان الظبياني حميته، وحماته الذين رعوا وسعوا وأبدعوا في الرعاية والحماية والعناية، حتى بلغ القمر استدارته المنيرة، وأصبحت أبوظبي اليوم مركز إشعاع، وتنوير يضع كل أقلامه، في محبرة الوعي البشري، ليكتب العالم تاريخه الجديد من جديد، وتغسل الطيور أجنحتها من نهر العطاء الذي لا يكف ولا يجف.

إذاً فهذه هي قصة النجاح التي رسمت صورتها القيادة، لأنها مضت إلى المستقبل، وهي تسند الذاكرة إلى أثر فوحه من عطر الصحراء، وبوحه من نسق الذين أحبوا الحياة فأعطتهم.

المصدر: الاتحاد