أخلاق زايد وتجربته الحضارية.. سيرة تُحكى في أميركا اللاتينية

أخبار

يستقطب الجناح الإماراتي المشارك في معرض ساو باولو الدولي للكتاب، الذي يحتفي بالشارقة ضيف شرف دورته الـ25، جمهوراً واسعاً من شرائح المجتمع البرازيلي المتنوعة. وقد جذبت تجربة الإمارات الحضارية والنهضوية البرازيليين على اختلاف مشاربهم، حيث تابع الجمهور والمثقفون البرازيليون باهتمام واضح ندوة «عام زايد» التي أضاءت على تجربة الإمارات الحضارية، كما حرصوا على رؤية العروض الفنية التي تقدمها فرق الموسيقى والفنون الشعبية في شوارع المدينة الجميلة، كما شوهدت السيدات والفتيات البرازيليات وهن يستمتعن بمتابعة الحرفيات اللواتي يصنعن «التلي» ويلونَّ الأكف بالحناء وينثرن البخور في جنبات المكان.. وكلها من الفعاليات التي أقامتها الشارقة في جناحها المشارك في المعرض الذي يستمر حتى الثاني عشر من أغسطس الجاري.

أخلاق زايد

قدمت ندوة «عام زايد» قراءة في تجربة المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، وأضاءت على جوانب ?من ?شخصيته، ?كما ?تناولت ?تجربته ?التاريخية، ?ومآثره ?السياسية ?وحنكته ?في ?بناء ?مشروع ?الدولة ?الحضاري.

وتحدث الباحثان الدكتور حمد بن صراي، أستاذ التاريخ في جامعة الإمارات، وسعيد حمدان، مدير إدارة برامج المكتبة الوطنية في دائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي، خلال الندوة التي أدارها الكاتب والإعلامي خالد بن ققة، عن جهود الشيخ زايد، في بناء الدولة، وتكريس قيمها الحضارية، وأسس بنائها ونهضتها، والجهود الكبيرة التي بذلها في تأسيس اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، التي وضعها في مصافِ الدول المتقدمة في شتى المجالات.

وأكد الباحث بن صراي أن الشيخ زايد يعد أحد النماذج العربية الإسلامية المعاصرة الفريدة التي تركت آثاراً إيجابية متنوعة على كافة الأصعدة، وتشكلت ملامح سماته الأخلاقية في انتظامها في عقد واحد، والتزامها في مبادئ سامية، وقدرتها على الاستمرارية، لافتاً إلى أن الشيخ زايد نجح في ربط منظومته الأخلاقية المتكاملة بالتنشئة والتربية، حيث ظل هو القدوة في كل ما يدعو له من أخلاق، وعمِلَ على غرسها في الأجيال الجديدة.

وتوقف بن صراي عند شواهد وأقوال تكشف صورة الهوية الأخلاقية للمغفور له الشيخ زايد، مستعرضاً بالصور والوثائق قيم العطاء التي تجسدت في شخصيته، وجهوده الإنسانية، ومنها موقفه من القضية الفلسطينية، ومبادراته في رعاية المرضى والمحتاجين العرب والأجانب، مشيراً إلى روح التفاؤل في المنظومة الأخلاقية للشيخ زايد، باستشهاده بمقولته: «أعطني زراعة أعطك حضارة».

كلنا نحب زايد

بدوره استهل سعيد حمدان مداخلته باستعادة خطاب صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة لدى اختياره شخصية العام في جائزة الشيخ زايد للكتاب، حيث قال: «كان خطاب حاكم الشارقة جوهرياً حول الشيخ زايد، إذ توجه إلى المجتمع الإماراتي بالسؤال: كلنا نحب زايد، لكن علينا أن نسأل ماذا قدمناه له؟ إن الشيخ زايد كان يريد العمل والريادة والتميز والعطاء بكل أشكاله».

واعتبر حمدان أن اختيار الشارقة ضيف شرف الدورة 25 ?من ?معرض ?ساو ?باولو ?للكتاب، ?هو ?نتاج ?أكثر ?من ?نصف ?قرن ?من ?العمل ?المتواصل، ?آمن ?خلاله ?صاحب ?السمو ?حاكم الشارقة ?بالتنمية ?الثقافية، ?ونجح ?في ?تقديم ?الثقافة ?الإماراتية ?وما ?يقدمه ?مبدعوها ?إلى ?العالم ?بأسره.

وأكد حمدان أن حضور الشيخ زايد في الذاكرة الإماراتية شكّل واحداً من محاور الاشتغال الفكري والإبداعي لدى الكتّاب والمثقفين الإماراتيين والعرب، فالمكتبة العربية تضم أكثر من 150 ?كتاباً ?حول ?الشيخ ?زايد، ?منها ?ما ?يتناول ?مآثره ?الإنسانية، ?وسيرته، ?وتجربته ?النهضوية، ?إضافة ?إلى ?الدواوين ?الشعرية ?التي ?كتبت ?في ?مدحه ?واستذكار ?مواقفه ?النبيلة.

شعر وموسيقى

وكان جناح الشارقة قد افتتح برنامجه بأمسية شعرية استضاف خلالها الشاعرين، ?الدكتور ?حبيب ?الصايغ، ?الأمين ?العام ?للاتحاد ?العام ?للأدباء ?والكتاب ?العرب، ?رئيس ?مجلس ?إدارة ?اتحاد ?كتاب ?وأدباء ?الإمارات، ?وطلال ?سالم، ?في ?أصبوحة ?شعرية حضرها الشيخ فاهم القاسمي، وأحمد العامري، و?ضيوف ?الجناح ?من ?المثقفين ?والكتاب ?العرب ?والبرازيليين.

وقرأ الشاعران خلال الأمسية التي أدارتها الشاعرة شيخة المطيري، مختارات من تجربتهما الشعرية، تنوعت في المضامين، والبناء، واللغة، حيث قدم الشاعر حبيب الصايغ قصائد من تجربته في قصيدة التفعيلة، والنص الشعري النثري، عرض فيها خلاصة تأملاته لشواغل الراهن العربي، وتحولات الذاكرة الجمعية، متوقفاً عند الخصال النبيلة وما يمثله المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، وصاحب السمو حاكم الشارقة.

فيما ألقى الشاعر طلال سالم عدداً من القصائد التي تعكس جانباً من تجربته الشعرية المشغولة في التقاط المفارق والجمالي في تفاصيل الحياة، حيث صوّر شاعرية علاقته مع المكان الإماراتي، وفتح الباب كاملاً على المحمول الجمالي للذاكرة الإماراتية.

كما قدم طارش الهاشمي باقة من أجمل الأغنيات التراثية البحرية، سارداً بأوتار عوده حكاية الساحل الإماراتي وموسيقى البحر، حكى الهاشمي حكاية الشغف والجمال الإنساني، في لوحات إبداعية صاغتها حناجر البحّارة، ووثّقتها أهازيج الغواصين التي تروي في طيّاتها حكاية الغوص وعذاباته، منذ لحظة وداعهم لأهلهم، وحتى عودتهم إلى البرّ… وترنم على إيقاعاته جمهور المعرض في القارة اللاتينية.

ووصف الهاشمي مشاركته في الحدث بأنها «ثمينة»، لافتاً إلى أن القارة الأميركية الجنوبية تعرف الجماليات التي تتضمنها الموسيقى البحرية فأهل السواحل يشاركونا الشغف ذاته والنظرة ذاتها للحياة.

رسائل تراثية

وتستهوي العروض التراثية الحية التي يقدمها مجلس إرثي للحرف المعاصرة البرازيليين بشكل لافت، سيما النساء والأطفال، إذ يقدم المجلس التابع لمؤسسة نماء للارتقاء بالمرأة، بالتعاون مع معهد الشارقة للتراث، عروضاً حيّة تعرّف زوّار المعرض بالحرف الإماراتية التقليدية، مثل (التلي) وهي الضفائر المنسوجة يدوياً، و (السفيفة) جدل سعف النخيل، ونقش الحناء وصناعة البراقع، وغيرها.

ومن أجمل الأفكار التي اجترحها المجلس لزوار المعرض من الصغار واليافعين تقديم أكثر من 500 حقيبة خاصة تتضمن كتيّب التعليمات، والمواد الأساسية لصنع «التلي» خطوة بخطوة، منها البكرات، والخيوط، والدبابيس، بالإضافة إلى قطعة من نسيج «السدو» الإماراتي التقليدي.

وترى ريم بن كرم، مدير مؤسسة نماء للارتقاء بالمرأة، أن حضور الشارقة في البرازيل، بإرثها الثقافي والفني، ينقل رسالة واضحة إلى العالم عن مدى عمق الارتباط الحضاري لدولة الإمارات بالعالم، مؤكدة أن «هذه المشاركة تترجم رؤية صاحب السمو حاكم الشارقة، وقرينته سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، رئيسة مؤسسة نماء للارتقاء بالمرأة، المؤسس والرئيس الفخري لمجلس إرثي للحرف المعاصرة، في مد جسور الحوار مع مختلف الحضارات، والتأكيد على أن التراث والفنّ والجمال جميعها رسائل إنسانية تعزز من حضور الإمارات إقليمياً ودولياً».

إلى ذلك، يقدم المجلس في جناحه طيلة أيام المعرض كتيّباً رقميّاً تفاعلياً يعرّف بتاريخ الحرف التقليدية في دولة الإمارات العربية المتحدة، بأنواعها المختلفة، وطرق صنعها، لكن الأمر اللافت حقاً، هو إعلان المجلس عن إقامته ورشتين فنيتين، تستهدفان الأطفال من عمر 6 – 16 عاماً، الأولى لتعريفهم بطرق صناعة الأقنعة البرازيلية مع دمج لمسات جمالية إماراتية فيها، وذلك بتزيين الأقنعة باستخدام الحرف التقليدية والأقمشة المصنوعة في الإمارات، والثانية خاصة بصناعة السلال، التي تعتبر جزءاً من التراث البرازيلي، باستخدام حرفة «السفيفة» التقليدية الإماراتية، وتقوم الحرفيات الإماراتيات بصناعة السلال، ويشارك الأطفال بتزيينها بأنفسهم باستخدام الأقمشة والمواد المصنوعة في الإمارات.

المصدر: الاتحاد