د. محمد العسومي
د. محمد العسومي
كاتب إماراتي

«أرامكو» وتنافس البورصات

آراء

منذ أن أعلنت شركة «أرامكو» عن نيتها طرح 5% من أصولها للاكتتاب العام والمتوقع خلال الأشهر القادمة، وأسواق المال الرئيسة في العالم تترقب هذه الخطوة، باعتبارها أكبر اكتتاب أولي في تاريخ البورصات في العالم. وبالإضافة إلى عملية الترقب، فإن هناك تنافساً يدور بين هذه الأسواق لكسب إدراج أسهم «أرامكو» فيها، مما سيؤدي إلى منحها زخماً وأهمية كبيرة، فبورصة «ناسداك» أميركية ترسل الوفود بعد الأخرى لإقناع إدارة الشركة بأهمية إدراجها في هذه السوق، كما يحاول المسؤولون الصينيون جذبها لبورصة «شنغهاي» أو «هونج كونج»، إذ تم تناول ذلك أثناء زيارة الملك سلمان للصين الشهر الماضي، أما بورصة لندن، فقد عمدت إلى تغيير أنظمة الإدراج لديها وتعديلها بما يسمح بتداول أسهم «أرامكو»، هذا بالإضافة بالتأكيد إلى البورصة السعودية. يمكن طرح أسهم أي شركة في أكثر من بورصة، إلا أن ذلك يعتمد على أمرين أساسيين، أولهما قناعة القائمين على الشركة المعنية بأهمية إدراجها في هذه السوق المالية أو تلك، أما ثانيهما فهو مدى ملاءمة السوق المالية المعنية لعملية الإدراج ذاتها، خصوصاً وإن كانت بحجم الطرح الأولي لـ«أرامكو» بقيمة أولية تتراوح ما بين 160 و200 مليار دولار، وذلك بتقدير أن قيمة أصول الشركة تتراوح ما بين 3.2 و3.8 تريليون دولار، حيث يمكن مقارنة ذلك بطرح شركة «علي بابا» بقيمة 25 مليار دولار قبل سنوات قليلة، والذي اعتبر في حينه واحداً من أكبر الاكتتابات الأولية في التاريخ وشهد إقبالاً كبيراً من المستثمرين من مختلف بلدان العالم.

والحقيقة أن هذه الخطوة المهمة ستشكل نقلة ليس للشركة فحسب، وإنما للاقتصاد السعودي ككل، خصوصاً أن النية تتجه لضخ أموال الاكتتاب الهائلة لتنمية القطاعات غير النفطية، وبالأخص قطاع التعدين الواعد، حيث أعلن مؤخراً عن البدء في إنتاج الذهب بمقدار 180 ألف أوقية، إذ توجد احتياطيات كبيرة من المعدن الأصفر يمكن استخراجها.

وفي الوقت نفسه تملك «أرامكو» خيارات طرح أخرى من خلال الأصول التي تملكها في الشركات التابعة، وبالأخص في قطاع البتروكيماويات، والبالغة أكثر من 100 مليار دولار، والتي لم تتضح الصورة بشأن كيفية التعامل معها بعد. الوصول لأهم الأسواق المالية في العالم من قبل الشركات الخليجية، وبالأخص النفطية والصناعية منها، يُشكل أهمية استثنائية لدول مجلس التعاون الخليجي ودورها الاقتصادي المتنامي، كما أن ذلك يعزز الثقة في الاقتصادات الخليجية، ويكسبها طابعاً دولياً مؤثراً ومركز استقطاب كبير للاستثمارات الأجنبية التي لا تقف عن حدود معينة، وذلك ضمن حركة رؤوس الأموال، وتحول الشركات إلى شركات ضخمة عابرة للقارات.

ونظراً لذلك، فإنه لا يستبعد أن تتخذ شركات نفطية وغير نفطية خليجية خطوات مشابهة في السنوات القادمة، وبالأخص إذا حقق اكتتاب «أرامكو» النجاح المتوقع، والذي يشير إلى إمكانية استقطابه رؤوس أموال من مؤسسات عالمية ومستثمرين أعربوا عن نيتهم للاكتتاب في أكبر شركة نفط في العالم. إن طرح المزيد من شركات النفط الخليجية للاكتتاب الأولي على المستوى العالمي يعتبر تحولاً جذرياً في صناعة النفط الخليجية على مدى ثمانين عاماً من بدء إنتاج النفط، والذي شهدت إدارة عمليات إنتاجه تطورات متعاقبة بدأتها شركات أجنبية ومن ثم وطنية ومشتركة إلى أن دخلت مرحلة الاكتتابات العامة، وتحولها إلى شركات مساهمة لتتزايد تأثيراتها الاقتصادية ومساهماتها التنموية، وهو ما سيشكل بدوره تحولاً في طبيعة وهيكلية الاقتصادات الخليجية التي ستمتلك المزيد من الأدوات المالية التي تتيح لها زيادة التنوع الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل والاندماج بصورة أكثر في الاقتصاد العالمي.

المصدر: الاتحاد