جعفر الشايب
جعفر الشايب
كاتب وناشط حقوقي، راعي منتدى الثلاثاء الثقافي، وعضو المجلس البلدي بمحافظة القطيف

أزمة التصنيف والمواقف المتشددة

آراء

اللقاء السابع للخطاب الثقافي السعودي الذي عقده مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، ودعا له حوالي سبعين شخصية ثقافية من مختلف مناطق المملكة، تركز على التصنيفات الفكرية وأثرها على الخطاب الثقافي، وكشف عن قضايا مهمة تتعلق بهذا الموضوع.

التنوع بمختلف أشكاله حالة طبيعية في المجتمعات الإنسانية كلها، قد تكون كما أرادها الخالق مصدر ثراء فكري وسياسي واجتماعي ، وقد تتحول بفعل عوامل العنصرية والتمييز والقهر إلى سبب للتوتر والتناحر والتشظي. ولكل اتجاه من هذين المسارين طرقه وأساليبه وسياساته العامة التي تؤدي إلى النتيجة الحتمية.

من الواضح أن سبب تحول التنوع في مجتمعنا إلى أزمة فكرية واجتماعية بين مختلف الاتجاهات هو سيادة اتجاه فكري أحادي نال من الحظوة والإمكانيات الشيء الكثير الذي أتاح له إمكانية استبعاد وازدراء المختلفين معه فكرياً ومذهبياً ودينياً والانتقاص من حقوقهم.

ذلك يعني أن هناك مناخاً معيناً هيَّأ لمثل هذا الاتجاه دون غيره أن يهيمن على مختلف الوسائل – التي هي حق للجميع – ويوجهها لتعزيز مواقعه والإضرار بحقوق مخالفيه أياً كانوا.

لقد أفرزت هذه الحالة عن وجود اتجاهين متوازيين للخطاب الثقافي في المملكة يعبران عن توجهين فيهما من التعارض والتناقض الشيء الكثير.

ففي الوقت الذي تتوجّه فيه جهود المملكة لتعزيز الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتبذل جهوداً كبيرة على هذا الصعيد كتأسيس مركز الملك عبد الله في النمسا لهذا الغرض ومواصلة عقد مؤتمرات حوارية دولية، توزع كتيبات في مطارات المملكة وغيرها تندد بصورة مشددة بالتقارب بين أتباع الديانات السماوية.

وفي الوقت الذي يدعو خادم الحرمين إلى إنشاء مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية، ويرعى (وثيقة مكة) التي عبَّرت عن الإقرار بالتعددية المذهبية وشكَّلت إطاراً تشريعياً وثقافياً للعلاقة بينها، نرى أن اتجاهات متشددة لا تزال تواصل تكفير طوائف كاملة بسبب اختلافها عنها في المذهب.

على الصعيد الوطني، تستخدم أيضاً أشد النعوت ومختلف أشكال السباب ضد المختلفين فلسفة ومنهجاً وموقفاً، فتتحول العلاقة بين الأطياف المتعددة لحالة من التوتر والتشنج بسبب هذه التوجهات الإقصائية.

من أسباب ذلك غياب التشريعات الناظمة للعلاقة بين هذه المكونات الفكرية، فلا يوجد قانون مدني واضح يجرم التعدي على حقوق المواطنين أو الإساءة إليهم، أو ما يمس وحدة المجتمع وسلمه الأهلي. وكذلك عدم حيادية وسائل الإعلام في إعطائها فرصاً متساوية لمختلف الأطراف لتوضيح مواقفها و آرائها.

لعل في تفعيل الحالة المدنية بشكل عام مخرجاً لمزيد من فرص التلاقي والحوار، والانعتاق من القيود الفكرية المؤدلجة التي تقلص من فرص الحوار الحر، فنحن بحاجة لوجود أطر ومؤسسات فاعلة للتعارف والتواصل بين مختلف المكونات وفتح مجالات حوار مشتركة بينها.

المصدر: صحيفة الشرق