أفلام ليست للعرض

آراء

منذ أن قطن الحي قبل سنوات، اعتاد أن يوقف سيارته في المكان نفسه.. ولم يتلق يوماً شكوى من أحد، أو حاول أن يشكو أحداً، كما لم يشعر يوماً بأنه بحاجة إلى بناء «كراج» خاص بسيارته.. فالحي الهادئ والجيران الطيبون المتفاهمون، يعطون أماناً مضاعفاً لبقية السكّان.

لكن ذات صباح، فور خروجه إلى عمله، فوجئ بأن سيارته غير موجودة في مكانها، اعتقد للوهلة الأولى أنه قد أوقفها في مكان ما في الحي ونسي ذلك، بدأ بالبحث حول منزله ومنازل الجيران دون جدوى، فتيقن أن سيارته قد سرقت.. اتصل بالشرطة، وقام بالتعميم عليها، وجلس يفكر من وكيف ولماذا سرقها؟ اتصل بمديره في العمل وطلب منه إجازة لذلك اليوم، بسبب سوء حالته النفسية.. ظل في البيت ينتظر اتصالاً من الشرطة، أو من صديق يخبره بمكانها.. لكن لا جديد.. أخيراً استجاب للمثل القائل: «إذا كثرت همومك نام لها».. فنام الرجل بعد المغرب مهموماً مغلولاً قليل الحيلة.. في صباح اليوم التالي استيقظ مبكراً ليلحق بعمله، وليتابع مصير سيارته المفقودة.. وفور خروجه من باب البيت ألقى نظرة حزينة على مكان السيارة المسروقة، فكانت الصدمة أن سيارته عادت إلى مكانها سليمة من أي أذى، ومغسولة ومعطّرة.. ثم وجد ورقة على «التابلو» مكتوباً عليها: «أنا آسف جداً، لقد فاجأ المخاض زوجتي ليلة أول من أمس، كان الوقت متأخراً، فاضطررت إلى استخدام سيارتك لنقلها إلى الطوارئ.. أرجوك سامحني.. وكعربون صداقة وتكفير عن الذنب، أرجو أن تقبل دعوتي لك وللعائلة لحضور فيلم في السينما هذه الليلة، أرجوك اقبلها حتى يرتاح ضميري.. ملاحظة: التذاكر في جيب السيارة».. لم يصدّق الرجل نفسه، وهو يرى النبل كلّه في هذه الحادثة.. فبدأ يبكي ويمسح دموعه.. وهو يردد: «الحمد لله.. الحمد لله.. رزق الحلال ما بيروح».. ثم صعد مهرولاً ليخبر زوجته وأولاده بالحادثة.. وكيف أن الخير موجود في قلوب الناس.. فمن سرق سيارته أعادها إلى مكانها بأفضل مما كانت عليه مغسولة ومنظفة ومعطرة.. وفوق ذلك قد حجز للعائلة كلها مقاعد في السينما على حسابه، تكفيراً للذنب.. الرجل ظلت عيونه مغرورقة بالدمع، وهو يردد: يا الله ما أجمل يقظة الضمير.. الحمد لله.. رزق الحلال ما بيروح!

في المساء استعدّت العائلة للخروج، والفرح يغمرهم جميعاً، وهم يعيشون قصة من الخيال والفروسية القديمة، ذهبوا إلى دار السينما حضروا العرض بتذاكر «صاحب الضمير الحي»، التي حجزها لهم مسبقاً.. عند العودة ومازالت موسيقى الفيلم بأذهان الصغار والكبار.. أدار الرجل مفتاح البيت بالباب.. أضاء المنزل.. فوجده مسروقاً بالكامل.. لم يبق شيء في المنزل سوى «البلاط والسيراميك».. بدأت العائلة تصرخ و«تولول».. اقترب صاحب البيت من ورقة معلقة على جدار غرفة الجلوس، مكتوب عليها: إن شاء الله يكون الفيلم عجبك..

**

الشعوب العربية مثل هذا الرجل الطيب، يعتذرون لنا عن السرقات الصغيرة، حتى يجهزوا لسرقات أكبر.. يعتذرون لنا عن «حصار مدينة»، كي يمهّدوا لسرقة وطن..

المصدر: الإمارات اليوم