د. علي الطراح
د. علي الطراح
حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة متشجن الأميركية في عام 1984 . عمل مستشاراً ورئيساً للمكتب الثقافي لسفارة دولة الكويت في واشنطن 1989-1992 ومستشاراً إعلامياً ورئيس للمكتب الإعلامي في سفارة دولة الكويت في واشنطن 1992 - 1995 . عميد كلية العلوم الاجتماعية، وأستاذ علم الاجتماع بجامعة الكويت .

أمة تعشق الكلام

آراء

مازحت القائم بالأعمال للشقيقة تونس في منظمة اليونسكو قائلاً: هل تعتقد أن هناك أمة مثل العرب مولعة بالكلام؟ فابتسم قائلاً إن للصحراء دورها، فالصحراء منفتحة ولا تعيق النظر والعرب أثرت فيهم هذه البيئة، فجعلتهم كثيري الكلام وعاشقين له. وفعلاً امتاز العرب بلغة الشعر وتفوقوا على العالم بحبهم للشعر والتغني بالحبيبة أو بالأمجاد، ويبدو أن ظلال البيئة التقليدية ما زالت ترسم بعض ملامح حياتنا، فنحن نحب الخطب ونحب التكرار ومولعون بالبيانات والخطب الرنانة، وهي أزمة ثقافية كما أراها، لكوننا قد نتكلم دون أن نصاحب الكلام بالفعل، وأحياناً ننسى ما قلناه ونعاود القول، إلى أن فهمنا العالم بأننا أمة عاشقة للكلام، وعرفنا بأننا قد نتكلم دون فعل.

في انتكاسة 67 أصيب الشارع بصدمة وخرج الناس يطالبون جمال عبدالناصر بالعدول عن استقالته دون أن نشخص طبيعة الحدث وأسباب النكسة ومضينا في الطريق نعيد الفشل وكأننا نعشقه مثل عشق الحبيبة. وحدثت انتفاضات يضيق المجال عن عدها، وكلها تنتهي، ونمضي نسير في نفس الطريق. وكسر صدام حسين ركائز النظام العربي واحتل دولة عربية وأراد أن يمسحها من الخريطة، وتحرر الكويت، ويبقى النظام العربي الذي أفرز ظاهرة صدام على حاله دون عناء التفكير في تشخيص أمراض هذا النظام. ويأتي «الربيع العربي» بعد ذلك ويخرج الملايين في أكبر دولة عربية ويرفعون شعار الرحيل للرئيس مبارك ويتنحى، وقبل ذلك في تونس خرج بن علي وفر بجلده، وانتهى القذافي نهاية مأساوية، ولكن على رغم كل ضخامة الأحداث يبقى العرب يراقبون دون أن يتحرك الحس نحو فهم ما يحدث، وتفسير السبب، وكأننا مغرمون بالزمن وحده وبكونه كفيلاً بحل المشاكل، وهكذا نسير دون معرفة حقيقة التحولات العالمية وتغير ركائز النظام العالمي الذي سمي بالجديد.

لقد اتجهت الأنظار إلينا وقال كثيرون إننا سبب خراب العالم وهم يعنون الإرهاب بصوره المختلفة، واتهموا الإسلام دون أن نتحرك ضمن المعادلة التي تحكم العالم وتحولنا إلى متهمين، وأخذنا نخطط ونقيم مراكز الحوار وندافع عن أنفسنا ونقول للعالم إننا نؤمن بالحوار والتسامح، إلا أننا مضينا في نفس الطريقة، فالعقل العربي في بيئته الثقافية لا يملك حس التغير ويميل غالباً إلى المعالجة السطحية، والنهج تغلب عليه حالة الدفاع دون أن نبادر في فهم ما يحدث حولنا.

وأحياناً نسمع تصريحات تعبر عن رغبة التجديد إلا أنها تتبخر لترجع حليمة إلى عادتها القديمة، وهكذا نجد أنفسنا محكومين بمحددات ثقافية تعيق نمط التفكير والمعالجة، وتجعل الانفجار يقترب ويحرق الأخضر واليابس.

وتظل الفرقة تزداد والفجوة تتسع بين الطبقات، والمشاكل الاجتماعية تتفاقم، وقضايا الشباب تضغط علينا، إلا أننا نتخلف في المواجهة ونشعر بالعجز الذي يشل كيان العقل.

لا أعرف عدد القمم العربية واجتماعات الجامعة العربية وكل ما أعرفه هو أنها كلها بيانات يعاد نسخها بعد تغيير تواريخها، وربما لا ننسى تكاليفها المالية التي لا تقع ضمن حسبة الخسارة والربح في الطريقة العربية، فالمهم أن يجتمعوا ويتبادلوا الرأي ويبقى الحال على ما هو عليه. ونحن نلوم العالم ونقذفه بالمؤامرات ونشعر بالراحة لأن هناك من يتآمر علينا ويمنعنا من السير قدماً. ولعلها لعبة نفسية مريحة تزيح الأذى النفسي، إلا أنها مغامرة عربية بالدرجة الأولى لأننا لا نملك أن نسير عكس اتجاه التاريخ حتى وإن نجحنا في شراء بعض الزمن الذي خرجنا من حساباته غير مكترثين، مراهنين على أن الزمن يعالج كل الأمراض، خصوصاً أنها أمراض المؤامرات التي لا علاقة لنا بها، فهي مؤامرات ضد تاريخنا وهويتنا وغير ذلك من تعابير رنانة لا تسمن ولا تغني من جوع ولا تدخل الطمأنينة على النفس.

المصدر: الاتحاد