فهد الدغيثر
فهد الدغيثر
كاتب سعودي

إذا عُرِف السبب

آراء

شاءت الصدف أن أكون جالساً في إحدى المناسبات قبل أسبوع بين ثلاثة أصدقاء، وجميعهم ملاك ورؤساء تنفيذيين لشركات مقاولات وشركة كهرباء وميكانيكا كبرى تعمل في المملكة. تناول الحديث كما تتوقعون المشاريع وبطء التنفيذ أحياناً، وأحياناً تعطل المشروع لأعوام وكيف أن خادم الحرمين الشريفين حفظه الله بدأ يوكل لشركة «أرامكو» السعودية بعض المشاريع العملاقة لثقته بأدائها والتزاماتها، وهي مبادرة رائعة لأنها أنقذت ونفذت الكثير بأزمنة قياسية وجودة عالية.

سألت أحدهم لماذا خرجت هذه الظاهرة عندنا، وأقصد تأخر المشاريع وتعثرها، وكان الجواب على الشفاه وبلا تردد. أن طبيعة العقود الحكومية التي تخضع ومنذ عقود إلى نظام مشتريات أكل عليه الدهر. يقول صديقي بأن العنصر الأهم في نظام المشتريات لدينا في المملكة ما زال هو السعر، خلافاً لما هو معمول به لدى «أرامكو»، حيث السعر يأتي ثانياً، وربما ثالثاً. ليس «أرامكو» فقط، بل أن البنك الدولي الذي يمول آلاف المشاريع حول العالم يضع وزن السعر أو ثقله في التقييم عند حد ٢٠ في المئة فقط، بينما تأتي العوامل الأخرى بمراتب أولى. العوامل الأخرى هي إمكانات المقاول الفنية والمالية وسيرته الذاتية وسيرة مهندسي المشروع والسجل التنفيذي لمشاريع سابقة وتقييمها.

ولو أن الأمر توقف عند السعر لهانت المصيبة، ذلك أن الإشراف نفسه والذي تقوم به الوزارة المستفيدة من المشروع هو الآخر رديء. معظم وزاراتنا لا تملك إدارات هندسية معتبرة، لأن ذلك ربما ليس من صميم عملها، لكنها توظف بعض المهندسين وتسمي هذه الدائرة لديها بالإدارة الهندسية. ولأنها ليست على قدر المسؤولية في بعض المشاريع الضخمة فإن الخلل يقع، وقد يؤدي إلى ما هو أسوأ كالفساد المتمثل بالرشاوى. كيف لمهندس بسيط قد لا يتجاوز مرتبه الشهري ٥٠٠٠ ريال أن يشرف فجأة على مشروع بمئات الملايين؟ كيف له أن يقاوم إغراءات المقاول الذي قد يدفع له إكرامية بمبلغ ١٢٠ ألف ريال، وهي لا شيء بالنسبة للمقاول ولقيمة المشروع، لكنها تساوي دخل عامين بالنسبة لهذا المشرف، ثم يوقع على مستخلصات الدفع حتى وإن كانت غير مستحقة، أو أن المقاول لم يلتزم بما اتفق عليه؟

هذا يجرنا إلى موضوع المحفزات والمكافآت. «أرامكو» وهي التي تمارس العمل بعيداً عن بيروقراطية الدولة لا تكتفي بتوظيف المهندسين الأكفاء ممن قد يصل مرتب الفرد منهم إلى ٧٠ ألف ريال في الشهر، بل تضع المكافآت والمحفزات عند نجاح المشرف بدفع المقاول إلى تنفيذ المهمة بالوقت المحدد. إذاً فالحوافز المالية والشهادات الاعتبارية قد توفرت منذ اليوم الأول لدى هذا المشرف. ولنعلم أيضاً أن «أرامكو» وغيرها من الناحية الأخرى قد تلجأ إلى توظيف شركات مستقلة لإدارة مشاريع وإشراف يخضع اختيارها للشروط نفسها الصارمة التي يخضع لها المقاول. بمعنى أن وجود جهاز الإشراف من الخارج لا يعني المغامرة بالجودة. في جميع الأحوال يوجد مهندس تابع «لأرامكو» يدير هذه المنظومة، بمعنى أن الأساس سليم ولا يمكن للمشرف أن يوصي بدفع مستخلص مثقوب، لشعوره بأن هناك من سيراجع التنفيذ عن علم وإدراك وكفاءة وفوق كل هذا مسؤولية.

هذا هو العمل سواء كان الحديث عن مقاولين أم مقدمي خدمات من أي قطاع. اختبار واختيار ولوائح مرنة وحديثة ومتابعة ومحفزات للنجاح وإنذارات عند الفشل. لهذا تنجح «أرامكو» كما هي حال إعمار الإماراتية أو بكتل الأميركية وغيرهم الكثير حول العالم وتكتسب التميز والسمعة العالمية.

الآن أليس من السخرية بل والمرارة أن توجد «أرامكو» بين ظهرانينا بلوائحها وعقودها ومعاييرها التي تطبقها منذ عشرات الأعوام ولا نستعين بذلك ونجعله نظاماً في بقية الوزارات؟ هذا ما يدفعني إلى الحيرة والذهول والعجب. أليس من المؤلم أن نصارع الظاهرة من دون أن نبذل أقل الجهد لمعرفة أسبابها؟ نحن بهذا مثل المريض الذي يجاور المستشفى لكنه لا يقترب من عتبة بوابته فضلاً عن الدخول في غرف التصوير والعمليات ومختبرات تحليل الدم. تناقض عجيب والله.

لو طورنا أنظمة المشتريات لانعكس ذلك ليس فقط على مشاريعنا الضخمة بل على شركات المقاولات. نحن نتحدث عن شركات أهلية ملاكها من أبناء الوطن، ومستوى التنفيذ سينعكس ليس فقط على المشاريع الحكومية، بل وحتى على الجودة بشكل عام بما في ذلك بناء البيوت والأسواق والطرق. يقول لي مالك الشركة المتخصصة بالميكانيكا والكهرباء، أن هناك فرق بين محطة كهرباء في حي سكني قامت الشركة السعودية للكهرباء ببنائها وبين محطة كهرباء أخرى تم بنائها في مشروع حكومي سواء صحي أم صناعي، والسبب أن الشركة السعودية للكهرباء تملك المواصفات اللازمة لذلك، وتنفذ بمعاييرها هي بينما يطلب من مقاول المشروع الحكومي بناء محطة

كهرباء ضمن المشروع الخاضع لتلك الشروط الآنفة الذكر الخاضعة لنظام المشتريات المتهالك والفرق بين المحطتين كبير. الله المستعان

المصدر: الحياة

http://ow.ly/DlGsI