محمد فاضل العبيدلي
محمد فاضل العبيدلي
عمل محرراً في قسم الشؤون المحلية بصحيفة "أخبار الخليج" البحرينية، ثم محرراً في قسم الديسك ومحرراً للشؤون الخارجية مسؤولاً عن التغطيات الخارجية. وأصبح رئيساً لقسم الشؤون المحلية، ثم رئيساً لقسم الشؤون العربية والدولية ثم نائباً لمدير التحرير في صحيفة "الايام" البحرينية، ثم إنتقل للعمل مراسلاً لوكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) كما عمل محرراً في لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية.

إستدامة الازدهار أم استنفاذه؟

آراء

في نوفمبر من العام الماضي، سجلت كاميرات التلفزة المحلية مشاهدة فريدة عندما عرضت لقطات لمقيمين أجانب يحتفلون ويرقصون طرباً في ساحات برج خليفة بفوز دبي بحق تنظيم معرض اكسبو 2020 فور الاعلان عن الفوز. قد يدفع هذا سؤالا عن دوافع وافدين اجانب من دول عدة لإظهار هذا القدر من الفرح (بشكل عفوي) لهذا الانجاز لبلد يعملون فيه فحسب؟

قد يذهب الجواب وراء التفسيرات السهلة، ولكي نفهم ردة فعل المقيمين تجاه حدث استثنائي مثل هذا، يتعين ان نسأل انفسنا عما يجذب اناساً ينتمون لأكثر من 200 جنسية للقدوم الى دبي والعمل والعيش فيها في المقام الأول؟

الجواب بسيط: اقتصاد مزدهر يولد الاف الوظائف، اجور جيدة، مستوى معيشة حسن، بيئة صديقة للاستثمارات والأهم “لا ضرائب من اي نوع”. وبينما ما تزال دول عديدة للتعافي من تبعات الازمة الاقتصادية العالمية وتعيش أخرى تحت وطأة اجراءات التقشف، بقيت دبي ملاذاً آمنا للمستثمرين بل وللباحثين عن مجرد وظيفة وحياة كريمة.

على هذا النحو، فإن نجاح دبي لم يعد أمراً يعني حكومتها ومواطنيها فحسب، بل اصبح أمراً يهم جميع المقيمين فيها بغض النظر عن جنسياتهم. فالناس في كل مكان تعجب بأي نموذج للنجاح يوفر المتطلبات الاساسية لأي انسان: وظائف جيدة وحياة كريمة. على هذا النحو، فإن التفسير الأدق لردة فعل المقيمين في ساحات برج خلفية هي انها تعبير شاخص عن رغبة في استمرار النجاح لدبي، فهم لا يريدون اي اخفاق من اي نوع ويتمنون ان تستمر هذه الإمارة ملاذا آمنا لهم.

من بين عناصر عدة للإزدهار الاقتصادي، فان كلفة المعيشة هي عنصر هام وحاسم في المنافسة بين البلدان والمدن التي تسعى لجذب المستثمرين والكفاءات والايدي العاملة. وبالنسبة للكفاءات، فإن الامر كله يعتمد على عملية حسابية بسيطة: الكلفة والمردود. كم يمكن ان نرسل للعائلة في الوطن وكم يمكن ان ندخر؟ وفي نهاية المطاف، فان المفاضلة بين المدن المتنافسة ستقررها اي ميزة تنافسية تتمتع بها في كلفة المعيشة، فالأجور المجزية موجودة في أماكن عدة، لكن بإمكانه أن يتمتع بأجر عالٍ وهو يدرك تماماً أنه هذه الميزة ستتآكل خلال خمس سنوات قادمة؟

تبدو “كلفة المعيشة” وكأنها كلمة السر المتداولة هذه الايام في دبي. فأولئك الذين تراقصوا طرباً في ساحات برج خليفة احتفالا بفوز دبي بتنظيم اكسبو 2020، أخرجوا حاسباتهم وأجروا تلك العملية الحسابية البسيطة لكلفة المعيشة من جديد لأن ملاك العقارات تفاعلوا مع ذلك الحدث الاستثنائي بطريقة مغايرة تماماً. فلقد احتفل الملاك بطريقتهم بتدشين موجة غير مبررة من زيادات الايجارات وصلت الى 55% في بعض الأحيان.

لقد اصبحت كل القصص معروفة الآن ولربما هناك الكثير ليقال عن هذا الجنون، وأجراس التحذير قد دقت تحذر من المسار الذي يمكن ان تقودنا اليه هذه الموجة غير المبررة.

هل يبدو هذا الكلام دبلوماسياً ومهذباً؟ بكل تأكيد، فالاقتصاديون يحذرون في الواقع من فقاعة عقارية بنهاية العام اذا استمرت هذه الموجة.

هل في مثل هذا الكلام نوع من المبالغة؟ كلا بالتأكيد، فليست هناك اسباب اقتصادية تبرر موجة الزيادة هذه. اكثر من هذا، فإنها ليست نتيجة لنمو طبيعي في الطلب يتجاوز العرض بل العكس. فالمعروض من الوحدات السكنية ما يزال يفوق الطلب حسب اقتصاديين ومتعاملين في سوق العقار كما ان بعض الملاك مازالوا يبقون وحداتهم السكنية خالية أملاً في مزيد من ارتفاع اسعار الايجارات.

يربط الكثيرون هذه الزيادة بفوز دبي بتنظيم معرض اكسبو 2020، لكن هذا يبدو غير ذي معنى. اذا كان علينا مجاراة هذا المبرر على سبيل الجدل، فان هذا معناه ان الايجارات ستواصل ارتفاعها خلال السنوات الخمس القادمة لتصل الى مستويات غير متخيلة في عام 2020، فهل هذا هو ما نريده؟ ورغم أن المنطق يقترح أن دبي ستشهد بناء المزيد من الوحدات السكنية لتلبية متطلبات استضافة المعرض في 2020 وهو ما يتوقع ان يحدث توازنا بين العرض والطلب، فان هذه الموجة من الزيادات الايجارية تبدو وكأنها ردة فعل استباقية لهذا التوازن المتوقع.

ان الايجارات الباهظة تعني ارتفاعا في كلفة المعيشة وأولى العلامات بدأت في الظهور مع نهاية الربع الاول من هذا العام حيث تشير احصاءت رسمية الى ارتفاع في مؤشر اسعار المستهلك في دبي بنسبة 2.95%.

ما يستوقفنا هنا هو المقارنة بين نوعين من ردود الفعل حيال حدث واحد، فهما على طرفي نقيض. أولئك الذين عبروا عن رغبة في استمرار النجاح وأولئك الذين تصرفوا في الإتجاه المعاكس. كلا نوعي ردة الفعل تعكس فهم أصحابها لعلاقتهم بالبلد الذي يستضيفهم.

الأهم من هذا هو التساؤل عما اذا كان المطلوب هو استدامة عناصر الازدهار او استنفاذها في مضاربات وقتية لجني أرباح سريعة؟ ابقاء كلفة المعيشة في مستوى مقبول لاستدامة الطلب وقتاً اطول أم المسارعة لجني ارباح سريعة على حساب الطلب المستدام؟ بكلمات أخرى: ما نحتاجه هو المحافظة الواعية على استدامة الازدهار والميزات التنافسية للاقتصاد، وليس استنفاذها في مضاربات قصيرة الأمد لا تنتج سوى أزمات.

مترجما عن غلف نيوز 30 ابريل 2014