أحمد عدنان
أحمد عدنان
كاتب وإعلامي سعودي

إعلام الحزم بلا حزم

آراء

على الرغم من أن الملك سلمان – حفظه الله – هو القائد الأعلى لعملية عاصفة الحزم ثم إعادة الأمل، إلا أن الماكينة الإعلامية للعملية كانت ضعيفة جدا، وهذا أمر مثير للدهشة حين نعلم أن الملك له اهتمام وثيق بالصحافة وبالإعلام.

التلفزيون السعودي كان خارج المشهد بسبب ضعف المشاهدة الناجم عن ضعف المهنية، وعلى الرغم من أن زمن المحطّات الرسمية قد ولّى بلا رجعة، إلا أنه في لحظة الحزم التاريخية وجب أن تكون المحطات السعودية الرسمية حاضرة لمواكبة الفعل السياسي ولموازاة الاهتمام بها في ظرف تتجه فيه أبصار الناس إليها، لكن المحطات الرسمية للأسف، أثبتت مرة أخرى أنها ميتة.

خارج التلفزيون السعودي الرسمي، كان المشهد غريبا، فمحطات يفترض أن تقدم لوحة مهنية متقنة سقطت في فخ الدعاية والتوجيه، والأسوأ من ذلك أنها تخلت عن تقديم المعلومة إلى فرض الرأي.

الإعلام يعيش في زمن التفاعل، ولعل وصف “المشاهدين” لم يعد له موقع في إعلام اليوم، فمن كان مشاهدا بالأمس أصبح متفاعلا مع الخبر وأحد صنّاعه بسبب التطور التقني والتواصلي. لذلك، تأتي استعادة الإعلام الموجه في هذا الظرف إهانة للمهنة وصناعها الذين عموم الناس منهم، إضافة إلى أن هذه الاستعادة لا تخدم الهدف السياسي ولا تحقق المردود المطلوب، بل إنني أعتقد أنه حتى أساطين الإعلام الموجّه ستكون لهم ملاحظاتهم السلبية على إعلام الحزم الموجه. والحقيقة، أن استعادة الإعلام الدعائي – في هذه المرحلة – من إحدى جنايات الإعلام المصري على الإعلام العربي فيما يتهكم عليه المصريون أنفسهم بـ “إعلام المصاطب”.

لم ينجح إعلام الحزم في صياغة منهجية واضحة تواكب العاصفة، لا نستطيع الادعاء بأن رؤيته منطقية أو غير منطقية لأنه بلا رؤية من الأساس، وإن كان هناك منهج وجب اتخاذه فهو واضح في التركيز على أن علي عبدالله صالح مع الحوثيين اختطفا الثورة اليمنية قبل استهداف الدولة، توثيق وبث الجرائم الحوثية مقابل كشف الوجه الإنساني للعاصفة، الاعتماد على الوجوه اليمنية في تأصيل العاصفة ونقض الانتقادات الموجهة إليها، والحذر من بث الأخبار غير الموثوقة.

أليس كوميديا أن لا ينجح إعلام الحزم في تقديم إعلامي يمني واحد كنجم مواكب لعملية إنقاذ الدولة اليمنية بطلب شرعيتها؟ إن إغفال هذا الوجه يعزز ادعاء الخصوم بعدوانية العاصفة لا إنقاذيتها، ويعزز ادعاء الخصوم بأن العاصفة أتت على عكس رغبة الشعب اليمني، والأهم من ذلك، أن هذا الإغفال ينتقص من اليمنيين أنفسهم. ولن أتحدث هنا عن بعض الزلات الفضائية في التعنصر ضد الإنسان اليمني لثقتي بأنها غير مقصودة.

شن الإعلام المضاد كل تركيزه على تصوير السعودية كمستهدفة للمدنيين والأطفال والعزل وحريصة على تخلّف اليمن، والحقيقة أن إعلام الحزم يتحمل مسؤوليته في مساعدة إعلام الخصوم عبر إغفال الوجه الإنساني للعاصفة التي أتت لإيقاف جرائم الحوثي وصد جشع علي عبدالله صالح، كما أن العاصفة لم تغفل المدنيين والعزّل من حساباتها سواء في اختيار الأهداف أو عمليات الإنقاذ والإغاثة، ولم ألاحظ مطلقا في إعلام الحزم رصدا تاريخيا دؤوبا للتاريخ الإيجابي السعودي مع اليمن.

في مقابل ذلك، كان من الواجب، ومن وقت مبكّر عدم تقديم الحوثيين كثوّار أو متمردين، إنما هم فصيل إرهابي وليس فقط تنظيما عميلا لإيران وخارجا على الخطاب الزيدي نفسه، وأفعالهم دليل ذلك، وما كان يمكن إضعاف علي عبدالله صالح سوى بتمجيد الثورة اليمنية التي أطاحت به وما زالت تعاني من تداعيات حكمه.

حاول إعلام الحزم التماهي مع مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا توجه جيد ومطلوب، لكن مشكلة تطبيقه تجلّت في نقل علاّت مواقع التواصل إلى الشاشة، ليقع إعلام الحزم – بلا قصد – في بث الأخبار غير الموثوقة وأحيانا في رداءة الخطاب، والأخطر تخلّي إعلام الحزم عن قوته السياسية ليبدو إعلام منوعات في وقت صارم الجدّية، كل هذا أدى إلى بعض الخدوش في الشاشات.

ومن مشاكل إعلام الحزم أيضا أنه لم يدافع بالقدر الكافي عن الحلفاء ولم يقدّر دورهم بالصورة المطلوبة، ووقعت بعض المحطات في خطيئة تصوير الحلفاء كأتباع لا شركاء، ومن هذا الموقع كان الدفاع عنهم ثم تقديرهم ضعيفا.

ومن باب الإنصاف، وجب القول، إن إعلام الحزم نجح تماما في ردّ تهمة الطائفية عن العاصفة، وتلك مزية سياسية وإعلامية. ومن باب الإنصاف أيضا أن نشير إلى تفوّق بعض الصحف – في المحتوى التحليلي والمعلوماتي – على بعض الفضائيات.

كانت العلامة الأبرز في سقوط إعلام الحزم، تتجلى في الانتقال من مرحلة العاصفة إلى مرحلة إعادة الأمل، فإعلام الحزم أوهم الناس للحظة أن عملية إعادة الأمل تعني وقف إطلاق النار، وهو ما فنّدته الساعات التي تلت البيان الرسمي الغامض وتطورات ما بعده التي وصلت إلى داخل الحدود السعودية. ومن باب الإنصاف، نقول إن هذه النقطة لا يتحمّلها إعلام الحزم وحده، بل تتحمّلها وزارة الإعلام السعودية بحكم مجاورتها لوزارة الدفاع، ولعله كان من الواجب على الزميل د. عادل الطريفي أن يشير بأن إعلان البيان الرسمي بهذه الطريقة سيوقع المختصين والمتابعين قبل عموم الناس في التباس عميق، وأنه كان الأجدر تسمية إعادة الأمل بـ”الموجة الثانية من عاصفة الحزم”، خصوصا وأن الوقت متاح للتبشير بالأمل ونشره، لكن بعد وقف إطلاق النار. هذا التقصير أتاح للأعداء ذريعة الترويج لعدم نجاح العاصفة، سواء كانت الذريعة على حق أو على باطل.

عملية عاصفة الحزم ثم إعادة الأمل، كانت تستحق غرفة إعلامية مشتركة بجوار غرفة العمليات العسكرية، والوقت لم ينته بعد، فالعاصفة ليست عملية يمنية محدودة، بل هي منهجية سياسية واسعة لن تتوقف إلا بكف أذى إيران عن العرب، والإيرانيون يهتمون بالإعلام – رؤية ورجالا – بقدر اهتمامهم بساحات المعارك، ومن الواجب أن نضربهم في كل ملاعبهم، لكن بالأدوات الجديرة وبالرؤية الثاقبة، فالمهنية تكفي ما دمنا على حق.

المصدر: العرب القطرية
http://linkis.com/www.alarab.co.uk/m/cHtui