د. توفيق السيف
د. توفيق السيف
باحث سعودي

احتواء الخطاب المتطرف

آراء

ستمر بضعة أسابيع ثم تتراجع الموجة الداعشية، كما حدث لأخواتها من قبل. هذه طبيعة الأمور في بلدنا وفي سائر البلدان. لكن هذه ليست نهاية القصة. فكل حادث يخلف أثرا في النسيج الاجتماعي، سطحيا أو عميقا. ويهمنا اليوم التأمل في الإجراءات الوقائية التي تتناول بصورة خاصة البيئة الاجتماعية التي يحتمل أن تمد تيار العنف بالقوة البشرية والمادية.

طبقا لما نعرفه عن المجموعات العنيفة التي ظهرت في منطقة الشرق الأوسط ككل، فان أبرز نقاط قوتها تتمثل في القدرة على استثمار نسق أيديولوجي، وخصوصا دينيا أو مذهبيا، استثمار مقولاته بإعادة تفسيرها على نحو يبرزها كجواب عن عوامل الإحباط القائمة في المحيط. بعبارة أخرى فإن الإحباط والأيديولوجيا يتفاعلان لإنتاج أمل جديد يعيد للشاب المحبط ثقته بنفسه وقدرته على تحقيق مراداته. الداعية المتطرف لا يقول للشاب إن الصلاة في المسجد هي التي ستجعله ناجحا، بل يعرض له نماذج عن الأشخاص الذين اكتشفوا ذواتهم وتحولوا من أصفار على هامش الحياة إلى أرقام في قلب المجتمع والحياة، حين انضموا إلى الجماعة المتطرفة. اكتشاف الذات وتحقيق الذات يأتي هنا متوازيا مع شعور داخلي عارم بالرضى عن الذات، وضمان رضا الله أيضا.

مهمة دعاة التطرف ليست صعبة، لأنهم يستثمرون القناعات الدينية التي يجري شحنها في عقول وقلوب الشباب منذ الطفولة حتى آخر العمر. بعبارة أخرى فالشاب يسمع ذات اللغة والمفاهيم التي يقولها الجميع، لكنه يضعها في إطار مختلف ويعطيها تفسيرا مختلفا، تؤدي غرضا معاكسا لما يريده معلم المدرسة أو خطيب المسجد مثلا.

العلاج إذن ليس في إلغاء التربية الدينية أو الوطنية، بل في تغيير النسق الأحادي الذي اعتدنا عليه منذ عقود، أي إقرار التعددية الثقافية والدينية والحياتية، واستبعاد العناصر التي تصف الآراء والمناهج المختلفة باعتبارها بدعا أو كفريات أو خروجا عن الدين. ويستتبع ذلك فتح المجال أمام الرموز الثقافية والاجتماعية التي تقدم خيارات موازية في فهم الدين وأهدافه، ولا سيما تلك التي تتبنى خطابا يعزز الأمل في الحياة والمستقبل.

أما الخط الثاني فيركز على معالجة بواعث الإحباط، ولعل أبرز تمثيلاته هي دعم المناشط الاجتماعية الأهلية، سيما تلك التي يقيمها الناس بأنفسهم لأنفسهم من دون تدخل الدولة وبيروقراطييها. إني أشعر بالأسف لأن نظام الجمعيات الأهلية الذي كان ينبغي إصداره في بداية 2011 ما زال إلى اليوم حبيس الرفوف في مجلس الوزراء، وأظن أنه كان سيلعب دورا فعالا في استيعاب الهموم وفائض الحركة الذي هو سمة للمجتمعات الشابة كالمجتمع السعودي.

زبدة القول إن التعامل الجاد مع احتمالات تمدد الأيديولوجيا الداعشية ونظائرها يتطلب قرارات صعبة، لكن الأمر ما عاد يحتمل التردد أو التأجيل، وعلينا أن نبادر اليوم قبل فوات الأوان.

المصدر: الاقتصادية
http://www.aleqt.com/2014/07/15/article_867319.html