عبدالله المغلوث
عبدالله المغلوث
كاتب وصحفي سعودي

ارم معكرونتك على الحائط

آراء

يلف الغموض معظم المشاريع التقنية في الوقت المعاصر إثر التغييرات المتسارعة، التي يشهدها العالم السايبري. هذه الطفرة الهائلة أجهزت على كل التنبؤات التي تعتري نجاح وديمومة أي مشروع. أصبح الخيار الوحيد لمواجهة هذا المصير المجهول هو الشروع في تنفيذه بعد قراءة السوق وعمل الجدوى الاقتصادية اللازمة. إذا كان الجزم بنجاح أي مشروع في أي مجال صعب للغاية، فإن الأمر يعد مستحيلا في مجال التقنية الحديثة. المنصات الإعلامية الجديدة والتطبيقات والمواقع التفاعلية باتت تغير جلدها على نحو جنوني ومتكرر كي تبقى على قيد الحياة وسط هذا التنافس المحموم، فكيف بالتي لم تبصر النور بعد؟

التردد وسط هذه الأجواء التنافسية لن يصنع عملا جيدا. قد يجنبك الخسارة. لكن لن يخدم فكرتك ومشروعك. فلا حل أمام رياديي الأعمال الجدد والمتحمسين لأفكارهم سوى الانطلاق وخوض التجربة. المحاولة وحدها هي التي ستحدد مدى ملاءمة الفكرة وجدواها. وربما ستطورها وتجعلها أكثر نضجا وفاعلية. ولا شيء يعبر عما أقوله سوى المصطلح الشهير: “رمي”السباغيتي” على الحائط”.

فعند رمي السباغيتي (المعكرونة) على الحائط ستعرف إذا كانت السباغيتي قد طهيت بما فيه الكفاية أم لا. فإذا التصقت بالجدار فمعناها أنها طهيت جيداً. أما إذا ارتطمت وسقطت مباشرة فإنها تعطي مؤشرا أنها لم تطبخ جيدا وتحتاج إلى مزيد من الطهي؛ لتصبح ناضجة وجاهزة للأكل.

لذلك يتحتم علينا أن نخرج أفكارنا من رؤوسنا ونرميها في نهر الواقع. ليس المشاريع التقنية فحسب، بل كل المشاريع. فإذا تمكنت من الطفو على السطح ستعيش وإذا لم تتمكن غرقت واضطررنا لانتشالها والعمل على إعادتها بعد أن نضيف إليها خصائص تجعلها قادرة على الصمود. قد لا نستطيع أن نعيدها نهائيا. لكن على أقل تقدير قاتلنا في سبيل فكرتنا وناضلنا من أجلها. أغلب الأفكار الجميلة التي نتجول في بساتينها لم تكن بهذه الصورة الجميلة. بدأت صغيرة ومتواضعة ونضجت مع مرور الأيام.

الرجاء لا تهمل فكرتك. دعها ترى النور وتتدفق. إنها كالمياه العذبة. سترويك إذا استثمرتها وستودي بحياتك إذا تجاهلتها. فالمياه الآسنة تظل دائما مصدرا للأمراض والآلام.

إن أصعب ما قد يتعرض له المرء هو أن يشاهد فكرته تلمع في كنف غيره بعد أن كانت حبيسة رأسه طويلا.

ارم معكرونتك على الحائط، فربما تكون جاهزة تماما للالتهام والإلهام.

المصدر: الاقتصادية