عبدالله المغلوث
عبدالله المغلوث
كاتب وصحفي سعودي

معاذ الخلف .. تجربة تستحق أن نرويها لأطفالنا

آراء

عانى المبتعث الشاب معاذ الخلف في نهاية عام 2012، مشكلات في الرقبة والظهر بعد أن نشر ورقتين علميتين، وأنهى الاستعدادات لدخول برنامج الدكتوراه. بدأت هذه المشكلات تتطور إلى ضعف عام؛ حيث أصبح لا يستطيع الوقوف أو الجلوس لأكثر من نصف ساعة. عندها أقلع عن البحث والتردد على الجامعة. أخذ الإذن من مشرفه الدراسي في الجامعة؛ للتوقف مؤقتا بحثا عن علاج يوقف تدهور صحته المفاجئ. كانت زوجته بنان تقوم بدور الأب والأم لطفليه، عبد الله وديم في بلد الابتعاث. تقلهما إلى المدرسة وتشتري مستلزمات المنزل. بينما كان معاذ ملازما للفراش لا حول له ولا قوة. زار عدة عيادات ومستشفيات شهيرة في الأعصاب بناء على توصيات مختصين فأجريت له عدة فحوص دقيقة. اكتشفوا أن لديه تصلبا شديدا في العضلات ونشاطا مفرطا في الأعصاب. أخبروه أن العلاج الوحيد هو العلاج الطبيعي، وأن المرض قد يستمر لسنوات. ذهب إلى مراكز علاج طبيعي، لكن لم يستطع القيام بالتمارين. جسده لا يتجاوب. كان معاذ شبه مقعد، لا يستطيع حتى الجلوس أمام طاولة الكمبيوتر؛ لتأدية مستلزماته البحثية والعلمية. عاش وضعا نفسيا صعبا جدا. صحته تتراجع بشكل مرعب وحياته تتهاوى أمامه. كثر في تلك اللحظات الحديث من جانب أقاربه عن العين والحسد. يقول معاذ في حسابه في “تويتر”: “كان الفضل لله ثم لتربية الوالد في محافظتي على التوازن الدقيق بين العلم الحديث والغيبيات وحمايتي من السقوط في ذلك المنزلق”، متسلحا بالتجربة العميقة أثناء مرض شقيقه بسرطان الدم قبل عدة سنوات والتي شفي منها ولله الحمد.

بقي السؤال الصعب: هل يعود إلى الوطن بالماجستير ويتخلى عن حلمه البحثي بدراسة الدكتوراه؟ رأى أن الرجوع خسارة. وأن من يئس من الشيء استغنى عنه. قرر الاستمرار. طلب من زوجته العودة مع الأطفال. رفضت بشدة. بعد بحث طويل وجد معاذ ضالته في آلية للعودة للدراسة. طاولة يستطيع أن يضع عليها الكمبيوتر ويعمل عليها وهو مستلق على السرير. كانت في محنته منحتان عظيمتان. تفرغ للدراسة. لا أصدقاء ولا زيارات ولا تلفزيون. ركز على عمله البحثي فقط. وأثناء دراسته كان يزور بين الحين والآخر أطباء متخصصين لم يجدوا حلا ناجعا. واجه سوء حظ مع الطبيب رقم 11. كلما زارها لم يجدها لظروف متفاوتة. وجدها بعد محاولات جمة. نصحته بمعالج طبيعي متخصص في مثل حالته. سأله فينس في أول يوم: هل تؤمن أنك ستتحسن؟ إذا إجابتك لا، اخرج من هنا. واصل العلاج وتحسنت صحته تدريجيا. أصبح يستطيع أن يتحرك أفضل ويذهب إلى الجامعة بانتظام. في أيار (مايو) 2014 حصل على الدكتوراه. وفي تموز (يوليو) 2015 تلقى رسالة من جمعية الحاسبات الأمريكية تفيد بفوزه بجائزة أفضل رسالة دكتوراه في هندسة البرمجيات على مستوى العالم. أنت من يجعل المشكلة حاجزا أو حافزا.

المصدر: الاقتصادية