عبدالله الربيعان
عبدالله الربيعان
أكاديمي سعودي متخصص في الاقتصاد والمالية

استثمر في السعودية

آراء

نقلت «الحياة» هذا الأسبوع خبراً عن تطلع الصندوق السيادي النروجي للاستثمار عندنا. وبحسب تصريح القائم بالأعمال السعودي لدى النروج خالد بن عبدالله الفاضل، فإن وفداً من الصندوق السيادي النروجي سيقوم بزيارة إلى السعودية خلال آذار (مارس) المقبل، لبحث فرص الاستثمار في المملكة. مؤكداً «أن المسؤولين النروجيين أعربوا عن تطلع صندوقهم السيادي إلى الاستثمار في السعودية، وبخاصة في أسواق الأوراق المالية مثل الأسهم والسندات الحكومية، إضافة إلى السوق العقارية».

تذكرت، بعد قراءة الخبر، ما يشبه الطرفة. ففي عام 2009 – على ما أذكر – نظمت إحدى شركات السمسرة عندنا مؤتمراً في بورصة لندن باسم «اليوم السعودي لأسواق المال»، افتتحه رئيس الهيئة السابق الدكتور عبدالرحمن التويجري. وذهبت بصحبة أحد الأصدقاء الأجانب، وهو شخص ظريف وخفيف الدم، وبينما أنا مندمج أشرح له مزايا الاستثمار في سوقنا المالية، قاطعني قائلاً: «هل يمكن لي الاستثمار في سوقكم»؟ أجبته لا طبعاً، فسوقنا مقتصرة على المواطنين والمقيمين داخل البلد. رد ضاحكاً: Abdullah, It`s better to have some coffee. وهو ما يعني ضمناً، بما أن سوقكم مغلقة في وجوهنا، لماذا تأتون إلى لندن وتعرضون فرص الاستثمار الرائعة في سوقكم عندنا؟

اعتقد أن ما سيقوله وفد الصندوق السيادي النروجي حينما يزورنا الشهر المقبل لن يكون أكثر من It`s better to have some coffee، حينما يعلمون أن سوقنا المالية مقفلة أمام الاستثمار الأجنبي. لذا أنصح من يستقبلهم بتوفير أكبر كمية من القهوة، بما فيها «الشاذلية» بالهيل والزعفران، فربما أحبها الوفد النروجي!

بالمناسبة، كتبت كثيراً عن ضرورة فتح سوقنا المالية أمام الاستثمار الأجنبي المباشر، بضوابط معينة للحد من ظاهرة الأموال الساخنة. واعتقد أن هذا هو الوقت الأنسب، وكل تأخير من طرفنا يعني تحسّن بورصات العالم الأخرى، وهو ما يصعّب ساعتها اجتذاب الأموال الأجنبية، لأن المنافسة ستكون أشرس وأكبر.

– ولمناسبة الاستثمار الأجنبي، وفي شقه الآخر الذي يعرف بـ FDI وهو اختصار لـ Foreign direct investment، انطلق في العاصمة اليابانية هذا الأسبوع معرض «استثمر في السعودية»، الذي تنظمه الهيئة العامة للاستثمار، تزامناً مع زيارة ولي العهد وزير الدفاع الأمير سلمان بن عبدالعزيز إلى طوكيو. المعرض سيطوف دولاً عدة لترويج فرص ومزايا الاستثمار الأجنبي في السعودية.

وبحسب علمي فإن المعرض هو الأول منذ تسلّم المهندس عبداللطيف العثمان قيادة الهيئة، وهو جهد نتمنى له النجاح والتوفيق، فالهيئة التي كانت قبل أسابيع قليلة موضع انتقاد مجلس الشورى تعمل في ظروف تنافسية كبيرة، وكل دول العالم المتقدمة والنامية تتنافس على جذب الأموال الأجنبية، وتعطي الامتيازات والتسهيلات لاجتذاب الأموال والمشاريع.

للأسف تجربتنا مع الاستثمار الأجنبي لم تكن موفقة في بداياتها، وكان فتح الباب على مصراعيه بحثاً عن البروباغندا، و«بهرجة» التصنيفات، والقفز السريع لتحطيم الأرقام وبالاً على اقتصادنا. وهو ما يجعلنا ننظر إلى أي استثمار قادم بريبة وتوجس. لذا، فالمأمول من الهيئة في عهدها الجديد التركيز على اجتذاب المشاريع التي تسهم في جلب التقنية إلى سوقنا، وتفتح فرص العمل والتوظيف لشبابنا. وهذان الشرطان هما المبدأ والأصل الذي يجب ألا نحيد عنه. وفي سبيل ذلك، يجب ألا نتعجل النتائج، وألا نهتم إن تأخر تصنيفنا، فالقليل الذي يفيدنا خير من الكثير الذي لا يضيف لنا شيئاً سوى تركة ضخمة من المساوئ والإحباطات.

ختاماً، قد تبدو المقالة متناقضة في شقيها بين المطالبة بفتح سوق وتضييق سوق. وهذا ما لا تقصده المقالة بالتأكيد. فالمطالبة بهذه أو تلك تحكمها ظروف البلد وحاجاته، وما يعود بالنفع على مواطنيه، وهي رسالة أرجو أن المقالة أحسنت إيصالها في سطورها السابقة.

المصدر: الحياة