هالة القحطاني
هالة القحطاني
كاتبة سعودية

استغلال فجوة التعليم!

آراء

منذ صدور القرار الملكي بزيادة رواتب المعلمين في المدارس الأهلية، وأصحابها في تنافس محموم لحصد أكبر مبلغ من الرسوم، فبعض المدارس استَبَقتْ بالبدء في تنفيذ القرار ورفعت رسومها لسنتين متواليتين، تكبد فيهما أولياء الأمور الثمن لمجرد أنهم اختاروا أن ينال أبناؤهم تعليماً في مبانٍ «أفضل» من التي توفرها المدارس الحكومية، وعلى الرغم من الدعم الذي تتلقاه تلك المدارس من الوزارة والدولة، إلا أن عدم تقيد بعضها برفع الرواتب كشف عن صورة بشعة هزت الثقة في أكثر من صرح تعليمي كان واجبه تعليم النشء القيم وكيفية الالتزام بها؛ ما دفع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بالتدخل، حيث ألزمت الوزارة بتوجيه المدارس الأهلية بعدم إجراء أي زيادة في الرسوم، إلى حين اعتماد القواعد المنظمة التي ستضعها الوزارة. وبعد أن تلقت «نزاهة» عديداً من البلاغات والشكاوى من أولياء الأمور كان عليها متابعة تنفيذ قرار مجلس الوزراء، وبالفعل قامت الوزارة بإعداد القواعد، وتمت مناقشتها مع من أسمتهم «نخبة» من أولياء الأمور، وجمعية حماية المستهلك، في اجتماع ضمَّ ممثلي اللجنة الوطنية للتعليم الأهلي في مجلس الغرف السعودية، وكان من المهم أن تراجع «نزاهة»-أولاً من مبدأ الشفافية التي اعتمدته في منهجها- مسألة «تضارب المصالح» بالمساءلة والتحقق بدقة من الخلفية التجارية لممثلي اللجنة الوطنية للتعليم الأهلي في مجلس الغرف السعودية، إذ يتطلب الأمر أن يفصح كل عضو منهم عن مصالحه الشخصية التي تربطه بتلك المدارس، حتى لو كان أحدهم يملك «بقالة أو مخبزاً» يستفيد به من مقصف إحدى المدارس، فكيف لو كان أغلبهم يملك مدارسَ أو له علاقة بشكل مباشر أو غير مباشر مع تلك المدارس!.

وحين اعتمد وزير التعليم القواعد المنظمة التي تمنح كل مدرسة الحق في طلب زيادة رسومها، كان ذلك وفقاً لضوابط ومعايير حددتها مسبقاً لجنة من الوزارة مع «اللجنة الوطنية للتعليم الأهلي» حيث رُبطت بمعايير تجارية «بحتة» تمنح بكل سهولة أي مدرسة الغطاء القانوني لرفع الرسوم في المستقبل بلغة غير منطقية تخدم التاجر في الدرجة الأولى؛ إذ شملت تلك المعايير تكلفة التعليم وكفاءة المدرسة التي تضمنت حتى المبنى، ومتوسط كثافة الطلاب في الفصول، ومتوسط عدد المعلمين للطلاب، ومتوسط الوظائف المساندة للطلاب، التي تشمل الموظفين الإداريين والعمال والسائقين، والمناهج الإضافية التي تقدمها المدرسة، والأثاث المدرسي والأجهزة، ووسائل الأمن والسلامة، والتنمية المهنية والورش، ودورات التدريب للكوادر الإدارية والفنية بالمدارس، ليتم تثمين ذلك كأي صفقة تجارية ليدفع ثمنها الطالب، وإذا سمحت الوزارة برفع الرسوم في المستقبل من أجل هذه الأسباب التجارية البحتة، عليها أيضاً أن تمنح تعويضاً لطلبة المدارس الحكومية بسبب التقصير في توفير أبسط احتياجاتهم من التعلم في مبانٍ غير مستأجرة وصالحة للاستخدام الآدمي !!.

وتزايُد عدد المدارس الأهلية في المملكة- أكثر من 3375 مدرسة- يعد أكبر خطأ تستمر في ارتكابه وزارة التربية والتعليم، حين شجعت على ذلك بمنح تصاريح لأفراد «تجار» لبناء مدارس خاصة، هدفهم الأول المادة؛ لأن ذلك يعطي من يملك المال الحق في تعليم أفضل من الذي لا يملك، في تضارب واضح مع سياسات الدولة التي تمنح التعليم المجاني للجميع، وكان من باب أولى أن تحرص الوزارة على محاكاة التجربة الفنلندية الناجحة في التعليم، خاصة بعد أن أرسلت عديداً من أفرادها إلى فنلندا للوقوف على سر التجربة ونقلها للمملكة؛ إذ يعد التعليم هناك مجانياً بمعنى الكلمة، حيث تتكفل الدولة بتوفير حتى القرطاسية إلى المرحلة المتوسطة، ولا يدفع الطالب ثمنها إلا في المرحلة الثانوية فقط، ولا مجال لنمو المدارس الأهلية، حيث لا تمنحها وزارة التعليم تصريحاً بل تحرص على توفير التعليم «الممتاز» لجميع الطلاب دون طبقية، أو تخصيصه لفئة دون الأخرى، أو يكون حكراً على من يمتلك المال.

وعلى الرغم من تدني مستوى عديد من المدارس الأهلية في المملكة أخيراً، إلا أن عدداً ضئيلاً منها سجل نسباً متقدمة في اختبارات القياس والتقويم، وهو أحد الأسباب التي دفعت أولياء الأمور إلى اختيارها في خطة إعداد الأبناء مسبقاً للالتحاق ببرامج الابتعاث خارج المملكة لسهولة توفر برامج تتناسب مع احتياج الطالب في عملية تكامل وتوافق يستطيع من خلالها أن يتلافى عراقيل السنة التحضيرية، حيث يعد شرط اجتيازها أساسياً لاستكمال برنامج الابتعاث، والسبب الرئيس لتعثر الطلاب كان ضعف اللغة الإنجليزية التي لا توفرها المدارس الحكومية من الصف الأول، ووعدت الوزارة بتطبيق البدء فيها قريباً منذ سنوات، ولكن لم تطبق إلى الآن، ويعد نشاط الوزارة بطيئاً جداً مقارنة بسرعة التطور الذي يشهده التعليم الحديث كل سنة حول العالم، وهذا البطء في التطور في حد ذاته يعتبر كارثياً؛ لإهداره طاقة أجيال لم تُستغل بنسبة مُرْضية أمام إصرار الوزارة على تقديم علوم متواضعة وتقليدية في عملية تطوير بطيئة جداً للمناهج أثارت هذه السنة بعض الشكوك والريبة حين أخفت أسماء مؤلفيها!!.

ويواجه التعليم حالياً نسبة كبيرة من نمو الوعي لدى الناس، الذي بات يدفعهم إلى عدم القبول إلا بالأحسن والأفضل، ومازلت مؤمنة بأنه من أساس العدل أن تلزم الدولة وزارة التعليم بدفع ثمن فواتيرها المتأخرة التي تكبدها المواطن وأبناؤه ظلماً سنواتٍ طوالاً.

ولكي لا يضيع أجر من أحسن عمله، أوجه شكراً خاصاً إلى مدير عام التعليم في المنطقة الشرقية، الذي تجاوب مع شكاوى أولياء الأمور المتذمرين من زيادة الرسوم في إحدى مدارس الخبر الأهلية، حيث أكد لي شخصياً في مكالمة هاتفية أجريتها معه الأسبوع الماضي، أن الوزارة لم تُعطِ المدرسة إذناً أو تصريحاً برفع الرسوم، بل تراجعت عنه في غضون أسبوع برسالة نصية بعثتها لأهالي الطلبة تنص على أن الرسوم «ستظل كما كانت عليه»، فشكراً لمدير التعليم في الشرقية وللوزارة التي حافظت على وعدها، وأرجو أن تنجح في عملية التطوير وتمنح تعليماً «ممتازاً» للجميع لننهي هذه الدراما بإغلاق جميع المدارس الأهلية مثل فنلندا، ونُوقِف تجارة استغلال قصور التعليم.

المصدر: صحيفة الشرق