جاسر عبدالعزيز الجاسر
جاسر عبدالعزيز الجاسر
مدير تحرير صحيفة الجزيرة

اغتيال «اليمامة»!

آراء

كيف يمكن أن تبقى مؤسسة اليمامة الصحافية من دون المجلة التي كانت سبباً في نشأتها؟ وهل يجوز لها – بعد ذلك – أن تحمل اسماً لا تنتمي إليه؟ وهل ترخيص مجلة «اليمامة» ملك للحكومة أم للمؤسسة؟ وإن أوقفت المؤسسة المجلة فهل بإمكان أي مستثمر أن يشتري الترخيص ويعاود إصدارها؟ فالمطبوعات تموت، بينما تبقى التراخيص حية، لأنها لا تتناسل ولا تنقرض استناداً إلى حصرية ملكيتها للحكومة التي لم تمنحها حرية النمو والتجدد مثلما فعلت مع الجامعات، التي قفزت من سبع إلى 28 جامعة.

ربما يكون من حق المؤسسة الخلاص من مطبوعة مرهقة، إلا أن مسؤوليتها الأخلاقية والمهنية تتحدد في أنها لم تبذل جهداً في إنقاذ المجلة، حتى سقطت هيبتها وتحولت إلى مطبوعة بائسة، ينفر منها القارئ ويتجنب ملامستها حين يراها.

كان المنطق قبل الإيقاف أن تراجع المؤسسة وضع المجلة وتبحث سبل إخفاقها، وأن تعمل على إنعاشها حتى يثبت أن عمرها انقضى، أما أن تهملها مريضة مشلولة كل هذه الأعوام ثم تعلن نهايتها فهو خلل خطر. يجب على وزارة الثقافة والإعلام أن تسأل عنها وتتثبت من وقائعها قبل أن تترك وسائل الإعلام المحدودة في هذا البلد العريض نهبة لمن لا يعرفها ولا يستطيع القيام بعبئها.

لماذا لا تقتدي مؤسسة اليمامة الصحافية بالشركة السعودية للأبحاث والنشر التي أعادت مجلة «المجلة» إلى العالم الورقي، حفاظاً على التاريخ ورهاناً على المستقبل، بعد أن جددتها وأعادت تشكيلها وفق رؤية حية؟

«اليمامة» ميتة منذ أعوام، ولم يكن صدورها سوى شهادة وفاة أسبوعية، فلماذا لم تدرس المؤسسة وضعها بجدية وهي تسجل خسائر متوالية؟

«اليمامة» هي السجل الإعلامي للحال الثقافية والاجتماعية والإعلامية السعودية، ومنها تناسل معظم الصحافيين الفاعلين اليوم، وفيها تشكلت خطوط المهنة في البلد، وعلى صفحاتها التوثيق الدقيق للحراك الاجتماعي ومساراته حتى عام 1993 على الأقل.

نحزن على «اليمامة»، لأنها كانت البوابة التي من خلالها سجل صحافيون وكتّاب ومثقفون حضورهم ورسموا بصماتها، ولأنها كانت النافذة الصحافية الفعلية حين كانت الصحف اليومية تغط في سبات النمطية والتشابه والتكرار، ولأنه كان من يلامس قلمه صفحاتها تشرّع له أبواب الصحافة بترحاب. هي تاريخ السعودية ونبضها الثقافي وسجلها المهني، هي الرائدة التي كسرت الحواجز وأفسحت المجال للتقارير والتحقيقات التي توشك أن تكون حصراً عليها من دون بقية الصحف.

لا أحد يستطيع إرغام المؤسسة على استمرار المجلة، إلا أن ما يجب فعله لأجل البلد وحماية للمهنة، وحفظاً لاعتبارها أن تغير «مؤسسة اليمامة» اسمها، لأن بقاءه تضليل ومخادعة، وأن تقوم الوزارة بدورها المفترض، فتستعيد الترخيص وتعرضه للبيع، على أن تستمر «اليمامة» اسماً، وأن يحوز رابح الترخيص أرشيف المجلة كاملاً، فهو علامة وجودها وروح حقيقتها، وهي أهم وثيقة حية عن تاريخ المملكة وأكثرها رصداً لمتغيراته وتفاعلاً مع مختلف حوادثه.

البلدان تراهن دائماً على تاريخها، وتحارب لأجل حفظه وصيانته، لأنه صورتها الثقافية وعلامة عراقتها، ومن يظن أن «اليمامة» مجرد مشروع خاسر فهو لا يفقه معنى الحضارة وقيمة الإرث.

إن لم تغير المؤسسة حقها ولم تقم الوزارة بدورها فإن رجلاً واحداً يستطيع إنقاذ «اليمامة» بإرثها هو الأمير سلمان بن عبدالعزيز، حتى لو أدرجها ضمن مكتبة الملك فهد الوطنية، وألبسها حلة ثقافية تستعيد صورتها الأولى.

إن ماتت «اليمامة» فإن جزءاً آخر من وجودنا الفعلي ذاب، وحينها سيتقلص رصيدنا من العلامات الثقافية والحضارية الدالة على وجودنا وصيرورة مجتمعنا.

يبقى الظن أن مؤسسة «اليمامة» لن تتخلى عن أبنائها، لكن ربما تعيد هيكلتها، فالمجلات لا تموت إنما ربما يتم اغتيالها.

المصدر: الحياة