د. علي الطراح
د. علي الطراح
حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة متشجن الأميركية في عام 1984 . عمل مستشاراً ورئيساً للمكتب الثقافي لسفارة دولة الكويت في واشنطن 1989-1992 ومستشاراً إعلامياً ورئيس للمكتب الإعلامي في سفارة دولة الكويت في واشنطن 1992 - 1995 . عميد كلية العلوم الاجتماعية، وأستاذ علم الاجتماع بجامعة الكويت .

الأزمات العربية… رؤية واقعية

آراء

لاشك أن أزماتنا العربية كثيرة خلال العقود الأخيرة، ودعوني أرجع لذاكرة التاريخ وأشير إلى أهمها التي تجسدت بغزو صدام للكويت، ومحاولة محوها من الخريطة الجغرافية، وفي ظل هذه الأزمة التي انقسم العرب حولها هل تغير النظام العربي؟ الحال كما هو لم يتغير، فجامعتنا العربية كما هي تصدر بيانات فقط. وبالمقارنة نجد أنه عندما ضربت أحداث سبتمبر في أميركا، وكذلك في حرب 73 سنجد الفرق في المعالجات.. ففي الأولى شكلت لجان لمعرفة ماذا حدث،، ولماذا حدث، ونشرت بعض الحقائق وبعضها احتفظ به. وفي نصر 73 الذي فاجأ إسرائيل هرعت إلى دراسة الأسباب التي مكنت العرب من الانتصار الجزئي عليها. وفي كلتا الحالتين كانت معالجة الأزمات تعبر عن احترام العقل. وفي المقابل نجد معالجتنا نحن غير عقلانية لأزماتنا المختلفة.

الحقيقة أن العرب يقفزون على حقائق التاريخ ومعطيات الفضاء العالمي ومتغيراته، فقد رفعوا شعارات الوحدة، واعتقدوا أنها جزء من واقعهم الاجتماعي، ومن ثم اكتشفوا زيف الواقع، وفي نفس الوقت لا يريدون الاعتراف بحقائق التاريخ، مما يبعدهم عن الواقعية السياسية. وقد اعتقد العرب أنهم أمة واحدة، تحمل مضامين ثقافية واجتماعية مشتركة، وأغفلوا خصوصيات لكل قطر، وطبعاً لو كانوا مدركين لذالك لكانت ثمة إمكانية لتقوية ما هو مشترك بينهم.

والفكرة هنا التي نؤكدها هي مشاعر الانتماء الفئوي الإنساني العام، فهي مشاعر تزداد قوة تحت ضغوط العولمة وهذا ما يفسر لنا حالة انهيار الاتحاد السوفييتي، وظهور تشكلات عالمية جديدة. ولو قمنا بمقارنة حالة انهيار الاتحاد السوفييتي التي تزامنت أيضاً مع حالة للانهيار العربي تجسدت بمحاولة مسح دولة عربية من قبل صدام حسين، لوجدنا الصلة التي تربط بينهما هي منطق التكوين الاجتماعي المصطنع.

في الحالة العربية نجد في الواقع فئات متقاربة في صيغ عيشها، إلا أنها متنافرة في داخلها مما يعرضها للانفجار والتباعد حيال أي أزمة تقابلها، وربما تؤكد حالتا حربي الخليج الثانية والثالثة صدق مزاعمنا. وما مر به الاتحاد السوفييتي السابق، وتمر به أوروبا، يدل على قلق الهوية. وما نقصده هو البعد النفسي في القبول والرفض للهوية الفئوية. فالبعد النفسي أصبح الآن للمرة الأولى في التاريخ عاملاً من عوامل التحكم بالهوية الفئوية. وهذا ما يفسر لنا حالة التمزق العربي التي نشهدها، والتطاحن بين الفئويات المختلفة. وهنا يطرح السؤال: أي نوع من الهوية النفسية يمكن عيشها في مجتمعاتنا العربية؟

لن نعود إلى الخمسينيات التي تبلورت فيها القومية العربية. لأنها وصلت مع نهاية الستينيات إلى تكريس الدولة الوطنية، وقد كان قرار انفصال سوريا عن مصر بمثابة التوطيد الكلي للميول القـُـطرية. وهذه الميول ليست صناعة إمبريالية كما قد يعتقد البعض، بل هي بالدرجة الأولى صناعة لفئويات قومية عربية. وكلنا يتذكر أكرم حوراني وصلاح البيطار، وهما من بناة الوحدة العربية، ولكنهما هما أول من وقع وثيقة الانفصال. كيف نفسر هذه الحالة؟ بمعنى آخر: هل القومية العربية كذبة؟ بالتأكيد ليست كذلك، ولكن المصالح الفئوية النفسية لم تجد إشباعها في الصيغة القومية الوحدوية، ليس في العالم العربي فقط، بل في الاتحاد السوفييتي السابق، وحتى في أوروبا كما نتوقع.

وما يؤكد ذلك في الحالة الكويتية، كانت هناك أزمة هوية بتعبيرها النفسي، حيث لم تهتم قطاعات واسعة من الرأي العام العربي والإسلامي ما آل إليه مصير الكويت، عندما غزاها صدام حسين، وبدا ذلك للكويتيين، وكأنة مثال على الحقد والحسد والغيرة والغدر. وفي المقابل علينا أن نلاحظ أنه في الحالة الكويتية كان هناك إجماع كويتي على رفض الغزو، مما يعبر عن بلورة مشاعر جماعية تعبر عن صيغة للموقف الوطني النفسي يتناسب ومعطيات الأزمة. وضمن هذا السياق فكل دولة عربية لها أجندتها الخاصة التي قد تكون في حالة تستر، ولكن تخرج إلى السطح في حالة التعرض لهجوم.

واليوم لدينا منطق يحكم العالم على الأقل بشكلة المظهري، وهو منطق حقوق الإنسان، والمشاركة في صنع القرارات الحياتية وحفظ الكرامة الإنسانية، وهذا المنطق يشكل ثقافة نفسية عالمية عامة. وإذن، لدينا منظومة عالمية تتوحد نحو هدف بعينه يتجسد في الكرامة الإنسانية.

والأزمات العربية ستبقى مستمرة طالما أن هناك غياباً للاعتراف بحق الكرامة الإنسانية، ووقف مسلسل الأزمات يكون من خلال إتاحة المجال للعقل النقدي ليحررنا من قيودنا الذاتية. وأخيراً لم يعد ثمة اليوم مكان لقوة الفئات المتعارضة مع المنظومة العالمية، ومنذ زمن بعيد قيل إن ذبابة قد تقتل فيلاً، أما اليوم فإن ذرة قد تقتل العالم كله. ولذلك علينا أن نبحث عن صيغة اجتماعية نستطيع بها ليس فقط المصالحة مع عالمنا الإسلامي والعربي، بل مع أنفسنا أولاً أو أخيراً، فعندما يتصالح المجتمع مع نفسه تتصالح فيه إنسانيته.

المصدر: صحيفة الاتحاد