الأموال القطرية تحاول التأثيــــر في السياسة الخارجية الأميركـية

أخبار

ترجمة: عوض خيري عن «فيدراليست»

أولئك الذين يأملون في التوصل إلى حل سريع لأزمة قطر قد ينتظرون مدة أطول، فبعد أن قاطعت مجموعة من دول الشرق الأوسط هذه الإمارة الغنية بالغاز مطلع يونيو الماضي لسلوكها المشين والإشكالي، يبدو أن الأزمة وصلت إلى طريق مسدود، وعاد وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، قبل أسابيع، إلى بلاده من منطقة الخليج خالي الوفاض.

وفي حين أن الخلافات بين قطر وجيرانها تمتد على مدى عقود من الزمن، فإن المأزق الحالي بلغ ذروته بقطع العلاقات الدبلوماسية وقطع الروابط الجوية والبحرية والبرية بين قطر والسعودية والإمارات والبحرين ومصر، وهو ما يمثل تصعيداً يتجاوز الانتقاد الذي تعرضت له قطر قبل بضع سنوات عندما اعتبرها جيرانها أنها تسير في الاتجاه الخاطئ، وأدى ذلك إلى اتفاق الرياض عام 2013، وأعقبته ترتيبات إضافية بعد ذلك بعام.

المقاطعة التي فرضتها الدول الأربع في الوقت الراهن ليست نتيجة لعدم مراعاة قطر لتلك الالتزامات فحسب، بل تجاوزها لها.

هذه المرة طالبت الدول الأربع قطر بالإيفاء بـ13 مطلباً إذا أرادت أن ترفع عنها المقاطعة، ورفضت الدوحة على الفور الاستجابة لتلك المطالب. ولا شك في أن البيانات التي أصدرتها الدول العربية الأربع رداً على تعنت قطر خلال الأسابيع الماضية، كانت حازمة.

وتتمثل نقاط الخلاف الرئيسة في دعم الدوحة لجماعة الإخوان المسلمين، وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) ومغازلة إيران، والدعم المالي للمتطرفين الذين يخوضون حرباً أهلية مع أطراف أخرى في سورية، واستخدام شبكة الجزيرة التي تمولها الدولة كأداة تهدف إلى تقويض جيرانها.

التأثير الخارجي

• إن سياسة دولة قطر الخارجية غير الأخلاقية لا تسيء للمنطقة فحسب، بل إنها تضر بالمصالح الأميركية في الداخل والخارج.

• بالنظر إلى الأهداف التي وضعها الرئيس ترامب في الرياض، فإنه يجب عليه أن يسعى إلى تغيير سلوك الدوحة المزدوج، وإعادة هذا البلد إلى الطريق القويم بما يتفق مع رؤيته.

• هناك مبالغ هائلة من المال تصبها قطر في الولايات المتحدة للتأثير في السياسة الخارجية الأميركية من خلال الجامعات، ومراكز الأبحاث، وبالطبع جماعات الضغط، وهو ما يسمح للإمارة الغنية التي لا تزيد مساحتها على مساحة ولاية كونيتيكت بالدفع قدماً إلى أبعد من وزنها الدبلوماسي.

وبعد أن أشادت بوصول الإخوان المسلمين لسدة الحكم في مصر، وحزنت لسقوطهم في وقت لاحق، ظلت قطر في موقفها الثابت المتمثل في دعمها الطويل والقوي للمجموعات الإرهابية، على الرغم من التهديد الذي يشكله هؤلاء على معظم الأنظمة في المنطقة.

وبعد الإطاحة بالإخوان المسلمين من السلطة في مصر، وجد العديد من قادتهم ملجأ آمناً في فنادق الدوحة ذات الخمس نجوم. ووردت أنباء بأنه خلال التظاهرات التي قادها الإخوان المسلمون في مصر، دفعت قناة الجزيرة لهم أموالاً نظير حصولها على لقطات من احتجاجاتهم تلك.

وكان الزعيم الروحي للإخوان المسلمين، يوسف القرضاوي، قد حل منذ فترة طويلة ضيفاً محترماً على عائلة آل ثاني الحاكمة في قطر، وظل يعيش في البلاد منذ عام 1961. كما تبث قناة الجزيرة تصريحاته التي تثني على الانتحاريين، فإذا كانت هذه نماذج من مشكلات قطر مع جيرانها، فإن هذه الدولة ستفرض تحدياً لا يمكن السكوت عنه.

ومن أجل فهم الطبيعة المزدوجة للدوحة، يحتاج المرء إلى بضعة أشهر للعودة للوراء، فقد شهد شهر أبريل من هذا العام زيارة وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس لقطر، وشهد مايو حضور الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمملكة السعودية لحضور قمة الخليج التي طال انتظارها، والتي تضمنت لقاء واحداً مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. وخلال تلك الفترة كان دعم قطر لمجموعات إرهابية ذات ألوان مختلفة في أوج ازدهاره.

بعد أسبوع من زيارة ماتيس لقطر، عقدت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) مؤتمراً لكشف النقاب عن الجانب اللطيف ظاهرياً في ميثاقها الشرير. وبوصفها الفرع الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين تصنف كل من الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي رسمياً «حماس» مجموعة إرهابية، إلا أن قادتها يعيشون أنماطاً من الحياة الرغيدة في قطر. وأصبحت الدوحة مقراً خارجياً لقادة هذه الجماعة الإرهابية منذ أن غادروا سورية، التي مزقتها الحروب في عام 2011. وقدمت أسرة آل ثاني المزيد من الأموال إلى المجموعة الإرهابية أكثر مما قدمته لأي بلد آخر على مدى السنوات الخمس الماضية، وتستخدم «حماس» الإمارة كآلة صراف آلي خاص بها، ويستخدمون المال لإنشاء البنية التحتية الإرهابية في غزة.

بيد أن المؤتمر لم يسر وفقاً للخطة المرسومة، وقد ألغى فندقان، بما في ذلك فندق إنتركونتننتال الدوحة، الحدث المقرر، بعد أن أصبح واضحاً أن الشركة «قد تواجه عقوبات بسبب تقديمها الدعم المادي للإرهاب»، ولكن قطر لم تتردد، لذلك تم عقد المؤتمر في وقت لاحق قليلاً في شيراتون غراند الدوحة.

وقدمت قطر في أبريل للإرهابيين في إيران وسورية أكثر بكثير مما كانوا يحلمون به، فقد دفعت لهم قطر فدية بقيمة مليار دولار أميركي استلمت منها إيران ووكلاؤها 700 مليون دولار، وذهب نحو 300 مليون دولار لـ«هيئة تحرير الشام»، وهي مجموعة من الجماعات المتطرفة في سورية، تضم جماعات تابعة لتنظيم «القاعدة». في الواقع، فإن هذه المجموعات الشرسة التي تخوض الحرب الأهلية في سورية، لم يكن في مقدورها أن تصبح مدمرة وإرهابية بهذا الشكل، لولا دعم قطر المتناقض للعناصر الإرهابية المتعددة.

البعد المحلي

أكدت رسالة ترامب في مايو بالرياض مجدداً، أن القيادة الأميركية ومن خلفها حلفاء أميركا التقليديون، تسير نحو هدف محدد، هو تدمير تنظيم «داعش» وتحجيم إيران، وهذا ما يفسر جزئياً لماذا دعا الكثيرون في مؤسسة صنع السياسة في واشنطن إلى إنهاء مشكلة قطر في محاولة لإجبارها على الانضمام إلى جبهة موحدة يمكن أن تواجه إيران.

ويبدو أن هذه الحجج ليست بلا جدوى، ولكن هناك مشكلة إضافية تتعلق بصياغة أميركا للسياسة الخارجية، والنقاش العام الذي يطلع عليه معظم الناس، فهناك مبالغ هائلة من المال تصبها قطر في الولايات المتحدة للتأثير في السياسة الخارجية الأميركية من خلال الجامعات، ومراكز الأبحاث، وبالطبع جماعات الضغط، وهو ما يسمح للإمارة الغنية التي لا تزيد مساحتها على مساحة ولاية كونيتيكت بالدفع قدماً الى أبعد من وزنها الدبلوماسي.

وقد أوضح الزميل بمعهد كليرمونت، أنجيلو م. كوديفيلا، هذه الجهود وآثارها، وخلص إلى أن «الاستثمارات القطرية في مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية قد حققت أرباحاً طيبة، وأن استثماراتنا لم تستطع تحقيق الكثير». وهذا يشير إلى ما يمكن أن يطلق عليه ببساطة «صفقة سيئة للولايات المتحدة». وعلى أية حال، فإن النصائح السيئة تترك لصانعي السياسات خيارات ضعيفة.

في عمود على صحيفة «هيل»، وصف نائب رئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، جوناثان شانزر، واشنطن بأنها متساهلة في سياستها الخارجية بشأن قطر. ووفقاً لشانزر، فإن مركز أبحاثه، الذي لا يتلقى أي تبرعات أجنبية، «وجد أنه من الصعب نشر تحليلنا، أو حتى مجرد مناقشته، وغالباً لأن الموضوع تترتب عليه مسؤولية (سياسية أو مالية) لبعض المنشورات والمحال التجارية الأخرى حول المدينة». وخلص إلى أن «هذا الشراء بالجملة لصانعي الرأي في واشنطن فرض تحدياً أكبر، هو قبول الوضع الراهن غير المستدام».

إلى حد ما هناك نقاش عام يجري في جو مشحون للغاية، يتعلق بتغذية الأموال الأجنبية، ويهدف إلى الحفاظ على نظام معوج. إن سياسة دولة قطر الخارجية غير الأخلاقية لا تسيء للمنطقة فحسب، بل إنها تضر بالمصالح الأميركية في الداخل والخارج.

وبالنظر إلى الأهداف التي وضعها الرئيس ترامب في الرياض، فإنه يجب عليه أن يسعى إلى تغيير سلوك الدوحة المزدوج، وإعادة هذا البلد إلى الطريق القويم بما يتفق مع رؤيته، وهذا يعني أن الصفقة التي ينبغي إنجازها هي صفقة جديدة تقوم على المصالح الأميركية، وليس مصالح أولئك المدمنين على الأموال والوضع الراهن.

ماثيو آر جي برودسكي – محلل بارز في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة «ويكيسترات»

المصدر: الإمارات اليوم