محمد فاضل العبيدلي
محمد فاضل العبيدلي
عمل محرراً في قسم الشؤون المحلية بصحيفة "أخبار الخليج" البحرينية، ثم محرراً في قسم الديسك ومحرراً للشؤون الخارجية مسؤولاً عن التغطيات الخارجية. وأصبح رئيساً لقسم الشؤون المحلية، ثم رئيساً لقسم الشؤون العربية والدولية ثم نائباً لمدير التحرير في صحيفة "الايام" البحرينية، ثم إنتقل للعمل مراسلاً لوكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) كما عمل محرراً في لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية.

«التسونامي» المصري

آراء

تثير الأوضاع في مصر جدلاً واسعاً، ناتجاً من إرباك كبير واختلاط في المفاهيم. وإذا كان الانقسام الذي تعيشه مصر وبقية العرب، حيال ما يجري في مصر من سمات المراحل الانتقالية التي تعقب الثورات الكبرى، فإن الكثيرين قد يرون أن الأوضاع تسير نحو الأسوأ ونحو مزيد من التردي، لكن ماذا لو كان الأمر على العكس من ذلك؟

لننظر إلى الأمر ثانية: هل كان تحرك الجيش المصري انقلاباً عسكرياً؟

في الظاهر، قد تنطبق مقاييس الانقلاب العسكري على تحرك الجيش المصري، لكن الاتكاء على المقاييس (الشكلية) قد يكون مضللاً للفهم. فإلغاء التمرد الشعبي من التحليل، قد يكون مهيناً للعقل أكثر من أي شيء آخر. فنزول ملايين من المصريين في الشوارع، لا يمكن تفسيره على أنه رغبة في الاستمتاع بيوم مشمس.

ولا مؤامرة تحركها أصابع خفية. فخلال عام واحد، وسع الأداء السيئ للإخوان المسلمين في الحكم، من مساحة الناقمين عليهم إلى خارج خصومهم السياسيين المعلنين، لتصل إلى المواطن العادي. قد تكون المواجهات بين الأهالي ومتظاهري الإخوان دليلاً شاخصاً على رفض شعبي عميق لهم.

والتساؤل عما يدفع مواطنين عاديين للإقدام على مواجهة الإخوان والاشتباك معهم وتقديم الضحايا، لا يمكن أن يفسر بالتفسيرات السهلة، مثل التخوين والتآمر والجهل وغيرها. فالناس لا تقدم على التضحية إلا عندما تستشعر خطراً حقيقياً يمسها في الصميم.

هل يمثل عزل رئيس منتخب انقلاباً على الديمقراطية؟ ليس بالضرورة، فجوهر عملية الانتخاب هو تفويض من الناخبين للمرشح، لكنه ليس تفويضاً على بياض، وليس تفويضاً مطلقاً أو غير قابل للمراجعة. ما قام به نشطاء حملة “تمرد” هو نوع من أنواع سحب التفويض الشعبي، أو الثقة بالرئيس المنتخب. فالتفويض في الانتخابات مشروط دوماً بتلبية الأهداف التي صوت من أجلها الناخبون للمرشح.

وليس تزكية للمرشح لأن يفعل ما يشاء دون مساءلة. تنص الدساتير في الدول الديمقراطية عادة، على وسائل سحب الثقة من الحكومة ومن الرئيس، وهي إما من خلال البرلمان أو من خلال أحكام القضاء أو الاستفتاء الشعبي. ما قام به نشطاء حملة “تمرد”، هو استفتاء شعبي بمبادرة شعبية ليس إلا.

هل كانت هناك مبررات قوية دفعت المصريين لسحب الثقة من مرسي؟ يمكن رد الأسباب الرئيسة التي أدت إلى تمرد المصريين على الرئيس المعزول وحكم الإخوان، إلى أمرين مترابطين بشدة. الأول هو الأداء السيئ لحكومة مرسي التي ترأسها هشام قنديل، فهي تكاد تكون بلا إنجاز يذكر حتى لو كان صغيراً، بل كان أداؤها مخيباً للآمال إلى حد لا يوصف.

السبب الثاني والأهم، هو أن الإخوان عملوا في اتجاه مغاير تماماً للمتطلبات التاريخية الضرورية لمرحلة ما بعد نجاح الثورة، وهي بناء دولة ديمقراطية مستقرة. فلقد سعى الإخوان للسيطرة على مفاصل السلطة، وكان هذا خطأً تاريخياً أقدموا عليه.

لقد كان المطروح على أي حاكم أو حزب يحكم مصر بعد ثورة 25 يناير، مهمة واحدة من الناحية التاريخية لا غير:إرساء مقومات دولة ديمقراطية حقيقية، تلبي تطلعات جميع المصريين، وتثبيت مقومات التداول السلمي للسلطة، والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية. ولو كان حزب آخر غير الإخوان (حتى ثوار يناير أنفسهم) في السلطة، وأقدم على نفس ما أقدموا عليه، لكان قد واجه التمرد الشعبي بنفس القوة.

ألم يكن ممكناً الانتظار للانتخابات القادمة؟ قد تكون هذه أمنية راودت الكثيرين داخل مصر، حتى في أوساط الخصوم السياسيين للإخوان، لكن مساعي السيطرة على مفاصل السلطة التي أقدم عليها الإخوان، عززت الشكوك بإمكانية الاحتكام لصناديق الاقتراع مجدداً.

وفي الحقيقة، فإن إجراءات محددة أقدم عليها الرئيس مرسي والإخوان، كانت كافية لتأكيد مخاوف المصريين، وهي الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس لتحصين قراراته من المساءلة، وإصدار دستور 2012 مفصلاً على مقاس الإخوان والسلفيين، دون الحدود الدنيا للتوافق الوطني، وأخيراً، المعركة ضد القضاء المصري.

ولعل المعركة ضد القضاء تبدو أخطر في تأثيراتها، لأن القضاء مثل على الدوام بالنسبة للمصريين، المؤسسة الوحيدة التي تستطيع مواجهة الاستبداد أو الحد منه، أياً كان النظام الحاكم، لهذا، فإن المعركة مع القضاء استثارت أسوأ مخاوف المصريين، وقضت على أي آمال في انتخابات نزيهة يمكن أن تقصي الرئيس وحزبه عن الحكم.

ماذا عن الضحايا الذين سقطوا في فض اعتصام الإخوان وفي مظاهراتهم؟ “عقلي ضد الإخوان لكن قلبي مع الضحايا”، يلخص هذا الجواب من مثقف مصري، لسان حال الكثير من المصريين حتى من خصوم الإخوان، والكثير من المراقبين الخارجيين، فحرمة الدم لا تعرف لوناً ولا انتماء سياسياً أو عرقياً.

لكن إذا أخذنا مسألة العنف في سياقها الأشمل، فقد سبقت ذلك وتلته مصادمات بين الإخوان ومواطنين عزل في عدة أحياء، ناهيك عن إحراق كنائس الأقباط واستهدافهم. فالدماء التي أسالها الإخوان وأنصارهم، تضع على الإخوان مسؤولية كبرى عن هذه الدماء، وعن دماء أنصارهم أيضاً بزجهم في معارك غير متكافئة ضد قوات الأمن.

هل يمكن أن يقود ما يجري إلى عودة نظام مبارك أو الانقلاب على ثورتي 30 يونيو و25 يناير؟

ثمة حقيقة واحدة يتغافل عنها الجميع، بنفس ردة الفعل غير المبالية حيال دعوة التظاهر الأولى في ميدان التحرير في 25 يناير 2011، إنها “تسونامي الشباب” الذي قاد ثورتين في أقل من عامين أطاحتا برئيسين. مع هذا الجيل الشاب، لن تكون هناك عودة لنظام مبارك أو شبيه له، حتى لو جرت محاولات لذلك، ولن يحكم الجيش مصر. مخاضات الثورة مستمرة، لكن مصر امتلكت منذ 25 يناير 2011 القوة الدافعة لبناء المستقبل، والقادرة أيضاً على تصحيح المسار ومقاومة الردات ومحاولات النكوص.

المصدر:البيان