محمد العصيمي
محمد العصيمي
كاتب سعودي

التصنيف الفكري .. مذهب معاصر

آراء

بمناسبة انعقاد جلسات الحوار الوطني عن التصنيف الفكري، تذكرت أنني قلت ــ في مقالة سابقة ــ إن مما أطلت التأمل فيه، وأنا أتدبر هذه الظاهرة العربية الصوتية أو اللفظية الجديدة، وقوع البعض، عن سابق قصد وتصميم، في مطب النظر إلى الكون، الطبيعي والبشري، بلون واحد، حيث يرفض كثيرون الاعتراف بالتعدد أو التمايز، أو حتى الفردانية التي تعطي لكل شخص طبيعة وجوده ونكهته ونوعية حضوره في حياة الآخرين الذين يشاركونه المكان والزمان. وهذا ما أدى ــ من وجهة نظري ــ إلى نشوء حالة من التصنيف الفكري الذي يعصف بمجتمعاتنا ومقدراتنا في كل مكان.

ولذلك، لا غرابة أن يأتي من يقول بأن (التصنيف الفكري) يكاد يأخذ صيغة المذهب في زماننا، أي أن له قادته وتابعيه، بعد أن بلغ من الحضور الديني والسياسي والاجتماعي شأنا هائلا، وأصبح من الطبيعي أن نشير إلى فلان، أثناء التعرض لموقف أو لفظ ما، بأنه (تصنيفي)، بينما نتحدث عن هؤلاء الأشخاص أو أولئك بأنهم (تصنيفيون). وفي يقيني أن كل تصنيفي، ذكرا كان أم أنثى، لديه، في المبدأ، إيمان راسخ بأنه على حق مطلق وأن غيره على باطل محض. وما بين هذا الحق وذلك الباطل يتساقط كثيرون من كل التيارات التي تتنابز بأسلحة الإلغاء.

وهذه هي الحقيقة التي نراها رأي العين في كل لفظ وتصرف في محيطنا الاجتماعي السعودي، الذي يبدو أنه استهان لردح من الزمن بهذه الظاهرة إلى أن عمت وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من أن تكون واقعا يصعب اقتلاعه أو حتى الحد منه. والسبب الأول ــ من وجهة نظري ــ لنشوء هذه الظاهرة ورواجها في السنوات الأخيرة هو بحث البعض عن (جماهيريات) زائفة من خلال رفع الصوت ونشاز هذا الصوت تجاه الآخرين واختياراتهم وحقوقهم.

وما دام الأمر قد طرح بهذه الصورة الجريئة التي تابعتها في جلسة الحوار الوطني الأخيرة، أعتقد أن لدينا فرصة لنعترف أولا بارتكابنا لخطأ التصنيف الفكري، أيا كان أساس وأسباب هذا الارتكاب. ومن ثم قد نعود أولا إلى مناهج وحواضن التربية والتعليم لنتبصر في اقترابها أو ابتعادها عن التصنيف وننقحها من الشوائب التي تفتح طريق فرز الناس بين لون مقبول ولون مرفوض. كذلك من المهم أن نلتفت لبعض وسائل الإعلام الخاصة الرائجة التي تسوق نفسها وتحصل مداخيلها من العنف اللفظي التصنيفي الذي يحقق لها الجماهيرية التي أشرت إليها قبل قليل.

وزبدة القول إن سلامة الدين ووحدة الوطن، وهذا كلام جميع المشاركين في الحوار الأخير من كل التيارات، لا تتحققان إلا باحترام تعدد الأفكار واختلاف الألوان وبالإجمال احترام إنسانية الإنسان.

المصدر: عكاظ