سهام الطويري
سهام الطويري
كاتبة سعودية

التطرف الفكري النسوي في التعليم

آراء

يأتي إعلان معالي وزير التعليم الدكتور عزام الدخيل لإنشاء إدارة تعنى بقضايا الأمن الفكري ملبيا لتطلعات الكثير ومناشداتهم المستمرة لإعادة التعليم المختطف فكريا منذ عقود، والحقيقة أن اختطاف التعليم مر عبر عقود زمنية عملت على غرسه في نفوس أجيال من النشء، ولذلك فإن انتظار إحداث تغيير جذري للتقويم والإصلاح الفكري سيحتاج جهودا ووقتا زمنيا طويلا أيضا.

ما يراهن على نجاح الإصلاح الفكري مستقبلا هو أن المجتمع السعودي يقع الآن تحت عوامل تغيير ثقافية تصب في صالح كسر الأنساق الأيدولوجية والطباع السلبية المترسبة بفعل النموذج التربوي المتطرف والذي ظل لعقود زمنية هو الرمز ذو الحظوة النجومية والقدوة المثالية التي يحتذى بها لاستفتاح أبواب خيري الدنيا والآخرة.

تشريح البانوراما لتشكيلة المجتمع السعودي التعليمي بقسميه المدرسي والعالي يحتاج إلى بلدوزر ضخم يتناوله حراك علماء الطبيعة وعلوم الحياة ومعهم علماء الاجتماع الباحثون في دراسات المجتمع السعودي أولا، يليهم علماء النفس والممارسون في مجالات الصحة النفسية والسلوكية، يأتي بعد هذا الصف علماء مدارس الفقه والمنهج المعتدل المتسق مع نهج ما سبق من العلماء درءا للاختلافات التي تحدثها مدارس الفقه الديني مع مدارس علوم الحياة، فالمواجهه الآن تتجابه مع تعقيد مركب من الفلسفة الدينية التي أخرجت عن سياقها، ليس هذا فحسب وإنما أرخت بظلالها القاتمة على وهج الحقول الفلسفية الدنيوية المهمة حتى سحبت البساط منها لأنها لا تؤمن أساسا بالاتصال مع الثقافات الأخرى، فالاتصال بالثقافات المعرفية المتنوعة يعني التغيير والتجديد والمخترعات التي بالضرورة تدخل ثقافة فكرية معينة من شأنها سحب الوهج عن استئثار الهيمنة الأيدولوجية المشوهة، ومن ثم قد لا تجد في الساحة من يخدم أدواتها من جنودها.

المجتمع النسوي السعودي حالة دراسة مناسبة جدا يجب أن تحظى باهتمام صناع التعليم، نظرا لانغلاقه وانعزاله عن المجتمع، فلا تبدو صورته العامة للنقد الاجتماعي صريحة لأسباب تتعلق بالخصوصية والتقاليد، ومن ثم فالانغلاق شكل بيئة خصبة جدا لنمو التطرف الفكري كنمو العفن في الظل حينما ينعزل عن الشمس. حقب زمنية انتقل فيها التطرف النسوي من أسلاف إلى أخلاف كاتجاه جريان المياه في الشلالات دون أن يكون هناك صوت ضوئي يخترق ممارسات الظل. لأن طبيعة المجتمع فرضت على النساء العيش في الظل، لذلك فخروج الأصوات الضوئية النسوية يعني تدرجها في التمرد الفكري عن المفروض في المجتمع المغلق ووضع العقل على منصة التشريح ووضع الأفكار وكل ما يفرض من هيمنة أيدولوجية على منصة الفكر النقدي.

التيارات الحركية في الوسط النسائي المدرسي والجامعي موجودة من عقود من الأزمنة تتوالى فيها السجالات والصراعات على وتيرة ناعمة يغلب الحظ فيها لمن غلبت كثرته وصنفه في هذا الوسط وفيه رديفه الرجالي، وكانت أحداث الربيع العربي أفضل فترة زمنية استطاع فيها الضوء لأول مرة التسلل إلى مساحات الظل في المجتمع النسوي.
تحقيق التنمية للمجتمع يأتي من التعليم، والتعليم حتى يحقق النمو النهضوي للبلاد عليه أن يكون تعليما من أجل الهيمنة التي تجعل البلاد ذات أحقية للنفوذ العالمي، الأفكار الروحية والتقاليد الاجتماعية لم تكن يوما رهانا، فما بال إن كان الانحراف الفكري هو الترويج الصناعي للهيمنة على العالم.

تقويم الانحراف الفكري مطلب يتوازى مع وجود شذرات من الأمل الجديد التي تسرق الألباب، التفكير يقع في منطقة صفرية بين قطبين متنافرين هما السلبية والإيجابية، فلذلك فإن التفكير إن لم تستأثر به الإيجابية فتستحوذ عليه أفكار البناء والصناعة والاختراع والاكتشاف والتنافس والرغبة في إنقاذ الحياة على كوكب الأرض، في المقابل ستستأثر عليه السلبية وتستحوذ عليه أفكار الإرهاب والجريمة واليأس، وإن تم ترويجها بمدغدغة العواطف الغريزية وعواطف الشر لبلوغ الخير وغسيل الدماغ وقتل المشاعر العاطفية الإنسانية وقيمها العليا.

رأس المال الرمزي للمملكة العربية السعودية اليوم هو الشباب، فالمملكة اليوم تتشبب بجيل يكاد أغلبه لا يجد عيبا في سلخ وجلد ما وضع على كاهله الفكري من كراهية للحياة وللوطن، ولولا استمرار جريان أنهار التغذية الفكرية المتطرفة لما بقي في الوطن نمو خبيث لبعض الشتلات الإجرامية والإرهابية اليانعة، والتي لم يتجاوز بعضها سن المراهقة.

وجود فكرة التقويم الفكري في التعليم ضرورة ومطلب ملح، ونجاحها سترهنه فكرة التفكير والأقطاب، أيهما سيستأثر بالتفكير: أفكار الصناعة والعلم أم أفكار الجريمة والإرهاب، ولكل منهما قواعدها التي تعتمد عليها للبناء.

المصدر: مكة أون لاين
http://www.makkahnewspaper.com/makkahNews/writing22/137724