التعلم التجريبي

آراء

كمختص في التعلم المؤسسي، تعرفت إلى أكثر من 70 نوعاً من التعلم، وقمت بنشرها في قاموس يغطي تعريف كل نوع.

ومن ضمن أنواع التعلم هناك نوع عملي يعتمد على الخبرة والتجربة، ألا وهو «التعلم التجريبي» أو «Experiential Learning»، ومحور ذلك النوع هو أن الخبرات الإنسانية تتولد من خلال تفاعلاتنا المستمرة وانخراطنا مع العالم من حولنا، فالتعلم هو نتاج طبيعي للتجربة، وهذا النوع أكثر شمولية من التعلم السلوكي أو المعرفي، حيث يأخذ في الاعتبار الدور الذي تلعبه مجمل تجاربنا في التعلم، بما في ذلك عواطفنا وإدراكنا والعوامل البيئية المحيطة، وتدعو نظرية التعلم التجريبي إلى التعلم العميق بدلاً من التعلم السطحي، والذي يرتكز على تحصيل كمٍّ معين من المعلومات.

إن التعلم التجريبي هو أحد الأساليب التي اكتسبت تقديراً واهتماماً كبيرين، نظراً لقدرته على سد الفجوة بين المفاهيم النظرية والتطبيق العملي؛ فمن خلال إدماج المتعلمين في الخبرات العملية يتم تعزيز التفكير النقدي، ومهارات حل المشكلات، والفهم العميق للموضوع، سواء كان التعلم في إطار نظام التعليم الأكاديمي، أو التعلم في بيئة العمل أو في مدرسة الحياة بصفة عامة؛ فمثلاً بدلاً من تدريس كيفية تفاعل المركبات الكيميائية بصورة نظرية، يتم إجراء التجارب العملية في المختبر، وبالتالي يتذكر الطلاب ما تعلموه، ولكن بسبب قلة الإمكانات أو وجود أعداد كبيرة من الطلاب قد لا يُتاح تنفيذ التجارب العملية، وبالتالي تتأثر جودة العملية التعليمية. وإذا نظرنا لمثال آخر في الحياة العملية، فبدلاً من أن تقوم شركة أو دائرة حكومية بتدريس موضوع مثل إدارة المشاريع نظرياً، يتم إدماج الموظفين في مشاريع فعلية على أرض الواقع، وبالتالي يقومون بحل مشكلات حقيقية، ما يثري معارفهم ومهاراتهم.

إن التعلم التجريبي يتم من خلال المشاركة المباشرة في تجارب علمية، حيث يتم تشجيع المتعلمين على المشاركة بنشاط في الأنشطة التي تعكس أو تحاكي سيناريوهات الحياة الواقعية. ومن صوره أيضاً: الرحلات الميدانية، المقارنات المعيارية، التدريب الداخلي، المحاكاة ولعب الأدوار، التدريب التقاطعي، التدوير الوظيفي. وهناك بعض المبادئ الأساسية لذلك النوع من التعلم أهمها، أولاً: المشاركة، حيث يشارك المتعلمون بنشاط في عملية التعلم بدلاً من تلقي المعلومات فقط. ثانياً: التأمل أو التدبر، فبعد النشاط التجريبي ينخرط المتعلمون في التفكير واسترجاع ما فعلوه وما حدث ولماذا، وهنا يعمل هذا التدبر على سد الفجوة بين الفعل والفهم، أو التطبيق العملي والمعرفة النظرية، ما يساعد على ترسيخ المفاهيم. ثالثاً: التطبيق، حيث ترتبط التجربة التعليمية ارتباطاً مباشراً بالتطبيقات الواقعية، ما يعزز أهمية المعرفة المكتسبة. رابعاً: حل المشكلات، من خلال مواجهة التحديات أثناء الأنشطة العملية، فيطور المتعلمون مهارات حل المشكلات الضرورية في المواقف الحياتية والمهنية المختلفة. خامساً: تنوع وجهات النظر، فغالباً ما يتضمن التعلم التجريبي التعاون مع آخرين، ما يمكّن المتعلمين من اكتساب رؤى من وجهات نظر وخلفيات متنوعة.

ينبغي التوسع وتعزيز التعلم التجريبي حيث ينطوي على الكثير من الفوائد، مثل المشاركة والتفكير النقدي، ما يزيد من تحفيز المتعلمين وتنمية الدافع الذاتي لديهم، وصقل مهارتهم العملية، والاستعداد للمستقبل، والقدرة على التكيف والتعاون مع الآخرين.

الامارات اليوم