التغطية الإعلامية لمحاكمات «الإرهاب» دليل شفافية القضاء الإماراتي

أخبار

أكد القاضي الدكتور عبدالوهاب عبدول رئيس المحكمة الاتحادية العليا أن مواكبة الإعلام لوقائع وجلسات محاكمات المتهمين في الجرائم الإرهابية وجرائم الانضمام أو المشاركة في جمعيات وتنظيمات سرية وإرهابية محظورة، هي دليل على نزاهة وشفافية القضاء الإماراتي، وهي بمثابة رد مفحم على أولئك الذين يسيئون إلى هذا القضاء، مضيفاً أن قضاة دائرة أمن الدولة هم من كبار القضاة علماً وعملاً. 

وكشف عبدول في حوار لصحيفة «الخليج» عن أن طعون النقض تشكل نسبة 75% من إجمالي الطعون والدعاوى التي تفصل فيها المحكمة الاتحادية العليا، مطالباً بإنشاء محكمة نقض إماراتية مستقلة، مشيراً إلى أن إجمالي القضايا والطعون التي فصلت فيها دوائر المحكمة خلال العام الماضي بلغت 1767 طعناً وقضية.

ودعا إلى إصدار قانون جديد خاص بالمحكمة الاتحادية العليا، وإلى إعطاء المحكمة استقلالاً مالياً وإدارياً تاماً عن وزارة العدل، ومنح رئيسها صلاحية «الوزير» في كل المسائل المالية والإدارية الخاصة، لافتاً إلى أن عدم تمتع قضاة «الاتحادية العليا» بأية مزايا مادية أو معنوية تمييزهم عن غيرهم من المحاكم الاتحادية أو المحلية بطأ من عملية التوطين في المحكمة التي يبلغ عدد القضاة المواطنين فيها 6 قضاة فقط. وإلى نص الحوار:

} عانت المحكمة الاتحادية العليا نقصاً في عدد القضاة، هل لا يزال النقص موجوداً؟

في المحكمة الاتحادية العليا، لا يُقاس عدد القضاة فيها، نقصاً أو زيادة، بعملية حسابية أو إحصائية، كان يُقسم عدد الطعون والقضايا والدعاوى المقيدة والواردة إلى المحكمة خلال فترة زمنية معينة على قضاتها، ليتحدد على ضوء ناتج القسمة تقرير زيادة أو نقص عدد القضاة.

نحن في المحكمة الاتحادية العليا نقيس زيادة أو نقص عدد القضاة في المحكمة بمعايير موضوعية لا حسابية، ومن بين هذه المعايير «تخصص قضاة المحكمة في الدوائر التي يعملون بها»، فلكل دائرة قضاتها المتخصصون في القضايا التي تنظرها الدائرة، و للدائرة الإدارية قضاة إداريون وكذلك في الدوائر الجزائية والمدنية والتجارية، أما المعيار الآخر فهو «نسبة التوطين بين قضاة المحكمة» فمتى كانت نسبة القضاة المواطنين في المحكمة تقل عن 75% من عدد قضاة المحكمة، فإن ذلك يعني أن المحكمة تعاني نقصاً في عدد قضاتها.

أما المعيار الثالث فهو «تفرغ قضاة المحكمة لدوائرهم الأصلية» بمعنى أن يتفرغ كل قاض بالقضايا والطعون المعروضة على الدائرة التي يعمل بها، أي دائرته الأصلية، ولا ينشغل بقضايا دوائر أخرى عبر آلية الندب إلى دائرة أخرى، وبإعمال هذه المعايير كلها أو أحدها على واقع محكمتنا العليا، أقول إن المحكمة تعاني حالياً نقصاً في عدد قضاتها.

تشجيع التوطين

} وكيف هي مسيرة التوطين في المحكمة الاتحادية العليا ؟

بدأ التوطين في المحكمة الاتحادية العليا عام 1995، أي منذ عشرين عاماً، ومنذ ذلك العام حتى الآن لم يصل إلى المحكمة العليا من القضاة المواطنين إلا ثمانية قضاة فقط، وقد توفي أحدهم «يرحمه الله» فيما استقال قاض آخر، ولم يبق من العاملين إلا ستة قضاة حتى الآن، وهذا العدد بلا شك قليل.

إذاً مسيرة التوطين بطيئة، ولكن هذا البطء يرجع إلى أسباب عديدة موضوعية من أهمها: بطء إجراءات ترشيح واختيار وتعيين قضاة المحكمة، عدم تمتع قضاة المحكمة بأية مزايا مادية أو معنوية تميزهم عن غيرهم من المحاكم الاتحادية أو المحلية، فعلى سبيل المثال فإن قاضي المحكمة الاتحادية العليا من بين الفئة الأولى في جدول الفئات حسب قانون السلطة القضائية من ذات الفئة التي يشغلها رؤساء محاكم الاستئناف وفئات قضائية أخرى مما لا يشجع الشاغلون لهذه الفئة على التفكير في الالتحاق بالمحكمة الاتحادية العليا خاصة وأنهم إذا التحقوا بها فعليهم التواجد في مقرها في العاصمة، مع ما يترتب على ذلك من مشقة الانتقال وتكاليفه المالية، وهي تكاليف لا تغطيها الوظيفة، فضلاً عن عدم تميز قضاة المحكمة العليا بأية مزايا معنوية، وأنتهز هذه المناسبة لأعبر عن خالص شكري وأعضاء المحكمة على اللفتة الكريمة لسمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، الذي منح رئيس وقضاة المحكمة الاتحادية العليا جوازات سفر دبلوماسية تقديراً للمحكمة العليا وقد تكرس هذا الأمر بنص تشريعي.

ومن بين أسباب البطء عدم تمتع المحكمة باستقلال مالي وإداري، فمنذ إنشاء المحكمة قبل 43 عاماً وحتى الآن وهي تابعة إدارياً ومالياً لوزارة العدل، مع ما يترتب على هذه التبعية من انعكاسات سلبية على حركة وحرية المحكمة في خلق أجواء مشجعة لتحفيز القضاة المواطنين على الالتحاق بالمحكمة، ومن بين الأسباب كذلك أن طبيعة عمل المحكمة الاتحادية العليا تختلف عن طبيعة عمل قاضي الموضوع، ما يتعين عليه بأن يكون قاضي المحكمة العليا مؤهلاً فكرياً وثقافياً إضافة إلى تأهيله القانوني والقضائي.

إن القضاء الإماراتي الاتحادي والمحلي يضم قضاة مواطنين مؤهلين لأن يصلوا إلى المحكمة الاتحادية العليا بفضل ما يمتلكونه من مؤهلات، وهناك أسماء مرشحة ونتمنى أن ينضم أصحابها إلى المحكمة الاتحادية العليا قريباً.

الخلايا الإرهابية

} كيف تصف مواكبة الإعلام لنشاط المحكمة، خاصة فيما يخص قضايا أمن الدولة المتعلقة بالانتماء لخلايا إرهابية وغيرها؟

الذي لابد من قوله إن الإعلام المسموع والمرئي والمقروء، واكب وبفاعلية كل نشاط قامت به المحكمة، سواء تمثل هذا النشاط في نشر المبادئ والأحكام التي تصدرها المحكمة، أو في المؤتمرات والندوات التي أقامتها أو شاركت فيها محلياً وعربياً ودولياً، أو في مساهماتها المجتمعية أو في إجراء مقابلات واستطلاعات عن المحكمة، ولكن من أبرز صور المواكبة، تغطية وسائل الإعلام وخاصة صحفنا اليومية ومنها جريدة «الخليج» لوقائع وجلسات محاكمات المتهمين في الجرائم الماسة بأمن الدولة، كالجرائم الإرهابية وجرائم الانضمام أو المشاركة في جمعيات وتنظيمات سرية محظورة، ونحن في المحكمة الاتحادية العليا ننظر إلى هذه القضية الإعلامية من زاويتين الأولى أنها تعتبر امتداداً لمبدأ علنية الجلسات والثانية أن هذه التغطية بمثابة رد مفحم على أولئك الذين يسيئون إلى القضاء الإماراتي.

القانون الإداري

} ما الدور الذي لعبته المحكمة الاتحادية العليا في تطوير القانون الإداري ؟

لعبت المحكمة الاتحادية العليا – ولا تزال تلعب – دوراً ملموساً ومشهوداً في تأسيس أسس ومبادئ القانون والقضاء الإداريين الإماراتي، ولا أقول القضاء الاتحادي فحسب بل وكذلك القضاء المحلي، وذلك من خلال إرساء المبادئ القانونية والقضائية التي تستخلصها من القواعد القانونية من خلال فهمها القضائي لتلك النصوص، وعبر الأحكام التي أصدرتها من يوم إنشائها قبل 43 عاماً وحتى الآن.

وتقوم الدائرة الإدارية بالمحكمة الاتحادية العليا بدور المحكمة الإدارية العليا، بل وهي بمثابة محكمة إدارية عليا تتولى مراقبة صحة تطبيق القوانين الإدارية وتوحيد فهمها وتفسيرها وتأويلها، إضافة إلى دورها في إرساء المبادئ والقواعد العامة التي تحدد أصول وقواعد القانون والقضاء الإداري في الدولة، وهذه المبادئ تسير على هديها محاكم الموضوع وكذلك الإدارات الحكومية عند تسييرها لأعمالها اليومية.

وسيكون من الإطالة سرد كل تلك القواعد والمبادئ، لكن من المفيد ذكر بعض المجالات التي قالت فيها محكمتنا العليا كلمتها، ففي مجال الدعوى الإدارية «طبيعتها، الصفة والمصلحة في خصومها، ميعاد سماعها»، وفي مجال القرار الإداري «تعريفه أركانه وعيوبه، طرق الطعن فيه، سحبه، إلغاؤه»، وفي مجال العقود الإدارية «تعريفه وبيان ماهيته، سلطات الإدارة تجاه المتعاقد معها»، وفي مجال مسؤولية الإدارة عن أخطائها «أساس المسؤولية، مجالاتها، شروطها»، وفي مجال الوظيفة العامة «تعيين الموظف العام، حقوقه، واجباته، نقله وإعارته وندبه، إجازاته، تأديبيته».

كتاب توثيقي

} ما أبرز الأنشطة في أجندة المحكمة لهذا العام؟

نحن في المحكمة الاتحادية العليا نضع في بداية كل سنة قائمة بأعمال وأنشطة وخطط نعمل على تحقيقها وتنفيذها في حدود الإمكانات المادية المتاحة للمحكمة، وقد لا نتمكن من تحقيق كل مفردات قائمتنا، فنرحلها إلى السنة التالية، وفي هذه السنة نسعى إلى تحقيق الآتي: زيادة عدد قضاة المحكمة المواطنين، الدعوة لعقد الجمعية العمومية للمحكمة لمناقشة توجهات المحكمة القضائية، إصدار كتاب توثيقي عن المحكمة ودورها في تطوير الفكر القضائي الإماراتي، عقد مؤتمر حول القضاء الدستوري العربي.

أحكام نهائية

} يتساءل البعض عن أحكام دائرة أمن الدولة بالمحكمة الاتحادية العليا.. هل هي أحكام باتت غير قابلة للطعن، وما الحكمة من ذلك؟

الأصل أن أحكام المحكمة الاتحادية العليا نهائية وملزمة للكافة بحسب دستور الدولة وقانون إنشاء المحكمة، وهذه النهائية والإلزامية تطال جميع الأحكام الصادرة من المحكمة، دستورية كانت أم مدنية أم تجارية أم جزائية أم إدارية.. إلخ، وهي غير قابلة للطعن فيها أمام أية جهة قضائية أم غير قضائية، بل وإنها غير قابلة للطعن أمام دوائر المحكمة ذاتها، إلا أن المشرع استثنى الأحكام الصادرة في الجرائم الماسة بأمن الدولة، إذ أجاز إمكانية الطعن بالمعارضة في الأحكام الجزائية الصادرة غيابياً، كما أجاز الطعن فيها عن طريق التماس إعادة النظر، وأياً ما كانت الفلسفة التي أخذ بها المشرع أو الغاية التي يبغاها أو الحكمة التي نشدها من جعل أحكام دائرة أمن الدولة نهائية وعلى درجة واحدة، فإن الذي لا خلاف عليه أن المحاكمات أمام هذه الدائرة تتم وفق قانون الإجراءات الجزائية وفي إطار قانون العقوبات الاتحادي والقوانين العقابية الأخرى الموافقة لأحكام الشريعة الإسلامية ولدستور الدولة، فضلاً عن أن قضاة الدائرة هم من كبار القضاة علماً وعملاً.

محكمة نقض

} ما أبرز الإجراءات التي ترى ضرورة إنجازها لتفعيل عمل المحكمة على أكمل وجه؟

أنشئت المحكمة الاتحادية العليا أساساً لتكون محكمة الاتحاد، ولذلك جاءت اختصاصاتها الواردة في الدستور وفي قانون إنشائها لتكرس دورها القضائي في هذا الإطار، لكن تم إسناد اختصاصات أخرى إليها، فأضحت الاختصاصات المضافة تمثل عبئاً عليها كاختصاص نظر طعون النقض، وعليه فمن المناسب إنشاء محكمة نقض إماراتية تنظر طعون النقض، ومن وسائل تفعيل عمل المحكمة إعطاؤها استقلالاً مالياً وإدارياً تاماً عن وزارة العدل ومنح رئيسها صلاحية «الوزير» في كل المسائل المالية والإدارية الخاصة بالمحكمة، ومن وسائل التفعيل كذلك إصدار القوانين المنظمة لتنظيم اختصاصات المحكمة، وإصدار قانون جديد خاص بالمحكمة الاتحادية العليا يحل محل قانونها الحالي الذي مضى عليه أكثر من 33 سنة يَسُد الثغرات والنواقص التي كشفتها الممارسة العملية خلال السنين الماضية، وإصدار قانون بالإجراءات أمام المحكمة الاتحادية العليا خاصة في القضايا التي تختص بها المحكمة حصرياً كالطعون بعدم الدستورية وطلبات تفسير الدستور والمعاهدات الدولية ودعاوى تنازع الاختصاص.

طعون النقض

} كم بلغت نسبة البت في الطعون المقدمة إلى المحكمة الاتحادية العليا خلال عام 2015 ؟ وكيف تقيم زمن البت؟

من المعروف أن الطعون التي تنظرها المحكمة الاتحادية العليا، تتعدد وتتنوع، فهناك طعون النقض، وطعون عدم الدستورية، وطعون رجال القضاء وتظلماتهم، وطعون تأديب المحامين. إضافة إلى دعاوى المساءلة التأديبية لأعضاء السلطة القضائية، وقضايا أمن الدولة، ودعاوى تنازع الاختصاص.

وتشكل طعون النقض نسبة 75% من إجمالي الطعون والدعاوى التي تفصل فيها المحكمة الاتحادية العليا، وقد بلغ عدد الطعون والقضايا التي فصلت فيها دوائر المحكمة خلال عام 2015 نحو 1767 طعناً وقضية منها 1380 طعناً بالنقض.

أما من حيث زمن البت، فإن هذا الزمن تتحكم فيه عوامل متعددة منها: إجراءات قيد وإعلان خصوم الطعن، عدد الطعون المعروضة على الدائرة، تفرغ القاضي لدائرته الأصلية أو تكليفه أو ندبه إلى دائرة أخرى، عدد قضاة المحكمة، طبيعة ونوع الطعن والأسباب القائمة عليه.. إلخ.

وعلى العموم فإن المحكمة الاتحادية العليا تعطي حيزاً زمنياً سعته 90 يوماً للطعون الجزائية و 180 يوماً للطعون المدنية والتجارية مع الأخذ في الاعتبار الطعون العمالية وطعون الأحوال الشخصية.

12 مؤلفاً

} وماذا عن أهم مؤلفاتك في مجال القانون والقضاء أو المجال الأدبي، وما جديدك؟

حتى الآن سمح لي الوقت أن أنجز 12 مؤلفاً منوعاً ما بين القانون والقضاء والتاريخ القضائي في الإمارات، هذا إلى جانب الأدب مثل كتاب «قطوف من بستان حياتي» الذي يعتبر بمثابة السيرة الذاتية لكن بأسلوب قصصي شيق يخرج عن رتابة السرد المباشر الذي يغلب على كثير من كتب السيرة الذاتية.

أما عن الجديد فهناك كتابان، الأول بعنوان «رائحة الزمن» وهو قيد الطباعة وسيبصر النور قريباً، وفيه أتناول مجموعة من خواطر زمن الطفولة حيث أركز على مكان ولادتي في عجمان وأتحدث عنها في حقبة الخمسينات والستينات فألقي الضوء على طبيعة الحياة الاجتماعية والمهن والأسواق وجميع المشاهدات التي بقيت في ذاكرتي عن ذلك الزمن، محاولاً ربط الماضي بالحاضر بهدف رصد التحولات التي طرأت منذ ذلك الزمن حتى يومنا هذا.

أما الكتاب الثاني فهو في مجال القانون والقضاء ويحمل عنوان «المحكمة الاتحادية العليا قمة القضاء الإماراتي»، ويمكن تصنيف هذا الكتاب في قائمة كتب التاريخ القضائي، حيث أتناول به تاريخ المحكمة الاتحادية العليا منذ نشأتها حتى عام 2015، وقد خصصت فيه فصلاً كاملاً لتوثيق السيرة الذاتية لجميع القضاة الذين مروا على المحكمة ورؤسائها إضافة إلى صورهم الشخصية، كما يخصص الكتاب جزءاً كبيراً لإبراز دور المحكمة في تطوير الفكر القضائي الإماراتي سواء في الجانب الدستوري أو الإداري وكافة الجوانب الأخرى.

المصدر: صحيفة الخليج