التقارب الأميركي ـ الإيراني وانعكاسه على المشهد الخليجي

آراء

لم تشهد الأروقة السياسية وحلقات الفكر والبحث، مثل ما تشهده اليوم حول موضوع بات يشكل واحدا من أهم المواضيع نظرا لتداعياته على المنطقة والمتمثل في التقارب الأميركي الإيراني. هذا الأمر لا شك ينعكس بصورة أكثر وضوحا على المشهد الخليجي، الأمر الذي يدفعنا لتناول أبعاد هذا الأمر، والذي يطرح بدوره الأسئلة التالية: هل نعد القادم تقاربا أم اتفاقا؟ هل من الممكن أن يحدث ذلك؟ هل يتوجب أن ينظر إلى أي تقارب بين أميركا وإيران على أن له تداعيات سلبية؟ هل توجد معطيات يمكن البناء عليها في قياس الإيجابيات والسلبيات لذلك التقارب؟ ما قراءتنا لمستقبل ذلك التقارب؟

يمكن اعتبار ما سيحدث بين أميركا وإيران على الأقل في المنظور القريب، نوعا من التقارب وليس اتفاقا. ولعل للبعض وجهة نظر مغايرة مستندا إلى حدوث نوع من التفاهمات بين أميركا وإيران في ملفات من قبيل الملف الأفغاني أو العراقي. وهو الأمر ذاته الذي يدفعنا لتأكيد صعوبة الوصول إلى اتفاق بينهما في المنظور القريب. فما حدث من تعاون وتنسيق في تلك الملفات، لا يعدو كونه تعاونا على المستوى التكتيكي، وهو ما أكده قاسم سليماني قائد فيلق القدس بقوله، إن التعاون بين البلدين حينما بدأ كانت هناك شكوك بأن طلب أميركا للمساعدة كان إجراء تكتيكيا، وأن أميركا لا تستهدف التعاون طويل الأمد، الأمر الذي دفع بالمرشد الإيراني إلى التحذير من أن دعوة أميركا للتعاون دعوة تكتيكية. أضف إلى ذلك أن القادم بين البلدين يعد أكثر تعقيدا مما سبق وتتداخل معه مصالح دول وقوى إقليمية مؤثرة في المنطقة منها السعودية. فهل يمكن أن يحدث ذلك التقارب؟

للوصول إلى إجابة لهذا التساؤل يتعين علينا طرح العوامل سواء المعيقة أو المساعدة للوصول لذلك التقارب من عدمه، ولكن قبل ذلك يمكن القول إنه وعلى الرغم من هذه العوامل التي سيرد ذكرها، يبقى البرنامج النووي الإيراني والوصول إلى اتفاق نهائي يسفر معه التحقق من شفافيته هذا البرنامج وسلميته، بمثابة جسر العبور لتحقيق ذلك التقارب بين البلدين. أما العوامل التي تعد محددة لذلك التقارب فيكمن تصورها في التالي:

(أ) الجانب الأميركي 1 – الضغوطات الداخلية التي تواجهها الإدارة الأميركية (الكونغرس – اللوبي اليهودي). 2 – البرنامج النووي الإيراني وأبعاده العسكرية. 3 – أمن إسرائيل في ظل التهديدات الإيرانية.

4 – البرنامج الصاروخي الإيراني. 5 – الاتهامات الأميركية للجانب الإيراني بدعم الإرهاب. 6 – ملف حقوق الإنسان وضغط منظمات المجتمع الدولي على الإدارة الأميركية في هذا الشأن.

7 – تقاطع مصالح وحضور دول إقليمية مؤثرة في أغلب الملفات محل التباحث مع أميركا وإيران. 8 – التخوف من نيات الطرف الآخر ومصداقيته (حاجز عدم الثقة المتبادل).

ب. الجانب الإيراني 1. الخلفية التاريخية وحاجز عدم الثقة.

2. موقف المرشد الأعلى المتشكك من التقارب مع أميركا. 3. التيار الأصولي والتخوف من التقارب. 4. موقف الحرس الثوري من هذا التقارب. أما العوامل المساعدة لتحقيق التقارب بين البلدين فهي:

أ. الجانب الأميركي 1. الاستراتيجية الأميركية الجديدة والساعية لتعزيز الوجود في شرق آسيا. 2. جهود الإدارة الأميركية الحالية للوصول إلى حلول سياسية وتغليب الدبلوماسية على ما سواها من خيارات في التعامل مع إيران. 3. ضغوطات الشركات الأميركية لنيل حصتها في السوق الإيرانية الكبيرة.

(ب) الجانب الإيراني 1 – الضغوطات الاقتصادية وتأثيرها السلبي على الداخل الإيراني. 2 – الاستفادة من توجهات الإدارة الأميركية الحالية.

3 – استغلال الحضور الإيراني في الكثير من ملفات المنطقة واستثمار الظروف المواتية لها. 4 – الدعم الدولي لإيران المتمثل في روسيا والصين. إن المتتبع للشأن الإيراني وتاريخ العلاقة بين البلدين يدرك مدى عمق حاجز عدم الثقة ودوره كمحدد للتقارب بينها، غير أن للمصلحة في المقابل، دورها في أن يخطو البلدان خطوات من شأنها تحقيق التقارب. فعلى الرغم من التصريحات التي تؤكد عدم ثقة المرشد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي بنيات أميركا، يترك بدوره الباب مواربا تجاه عقد مباحثات بين الطرفين. فالقراءة المتفحصة لتصريح المرشد ردا على رسالة أوباما في بداية رئاسته حين قال المرشد «إن تغيروا فإننا سنتغير»، تؤكد أن مسألة المباحثات وعودة العلاقات بين البلدين ليست خطا أحمر، وهو ما أكده رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني، غير أن ذلك يتطلب شروطا وضعها النظام الإيراني تجعل منها قوالب لا يمكن أن يحاد عنها، أشار لها الكثير من المسؤولين الإيرانيين تتمثل في: 1 – دخول إيران أي مباحثات وفق أساس الاحترام المتبادل ومبدأ الند للند. 2 – تغيير النظرة الأميركية تجاه إيران سياسيا وأمنيا. 3 – تخلي أميركا عن ممارسة الضغوط. 4 – الاعتراف بإيران قوة نووية في المنطقة. 5 – الاعتراف بدورها الإقليمي.

وانطلاقا من هذه المرتكزات، يمكننا أن نستشف التخوف الخليجي من تداعيات التقارب بين البلدين. فإذا كانت الإيجابيات التي سيحققها ذلك التقارب تكمن مثلا في: 1 – إزالة شبح حرب جديدة في المنطقة. 2 – تخفيف حدة التوتر السياسي. 3 – توفير مناخ أفضل للانتعاش الاقتصادي.

ففي مقابلها هناك توجسات ومخاوف من هذا التقارب تزكيها الملفات الشائكة في المنطقة والقراءات المتباينة بين دولها. فحين يطالب النظام الإيراني بالاعتراف بإيران بدورها الإقليمي في المنطقة، يأتي التساؤل هنا كيف هي قراءة النظام الإيراني لهذا الدور، هل يعني أن تكون إيران القوة الإقليمية الأوحد في المنطقة؟ ما مساحة بقية الدول من المنظور الإيراني على الساحة الإقليمية؟

ما تقدم وغيره يجعل من ذلك التقارب بين أميركا وإيران محط تمحيص ومتابعة من قبل دول الخليج العربي. فمرتكزات ومطالب النظام الإيراني للدخول في مباحثات مع أميركا قد بدأت إرهاصاتها حتى قبل وصول روحاني للسلطة وتحديدا حول البرنامج النووي الإيراني. ويبدو أنه من الصعوبة عدم تطرق تلك المباحثات تماما عن شؤون المنطقة، فالنظام الإيراني يسعى على الدوام لإقحام ملفات أخرى مع المباحثات النووية وهو أمر دأبت عليه حكومة نجاد. ولما كانت ملفات المنطقة تدور في فلك السياسات الاستراتيجية العليا لإيران، فإنه من المرجح استمرار إقحام النظام الإيراني لهذه الملفات.

لا يمكن النظر إلى التقارب الأميركي – الإيراني بنظرة سلبية في المطلق، فتحقيق الاستقرار في المنطقة هدف منشود للجميع، وسيساهم بلا شك في تخفيف حدة التوتر في المنطقة، مع الوصول إلى الحل النهائي للبرنامج النووي الإيراني، الأمر الذي سينعكس إيجابا على الداخل الإيراني، في تخفيف الوطأة الاقتصادية. غير أن هذا التقارب والسعي إلى الاستقرار في المنطقة، يلازمه خطوات أخرى يمكن إجمالها في التالي: 1 – القراءة الأميركية الصحيحة لوضع المنطقة وتجنب أخطاء الماضي في عدم فهم خصوصيات هذه المنطقة. 2 – استثمار الرغبة الإيرانية في تقاربها من السعودية، والدعوة الموجهة لظريف لزيارتها. 3 – وجود سياسة خليجية موحدة تجاه قضايا المنطقة. 4 – توظيف التقارب الأميركي – الإيراني في تحقيق المقاربات حول الملفات الخليجية بين إيران ودول الخليج وحل قضايا محط الخلاف. 5 – وجود شراكة ورعاية وضمانات حقيقية من قبل الولايات المتحدة في أي ترتيبات أمنية لمنطقة الخليج.

6 – القراءة الواقعية للنظام الإيراني حول مفهومه المتعلق بمنظومة الأمن الخليجي مع الاعتراف بالدور الإيراني الإقليمي والمؤثر ضمن أطر مراعاة ثقل ومصالح دول المنطقة.

المصدر: الشرق الأوسط