«التمر» طعام وفاكهة وحلوى… لم يزل محافطاً على صدارته

منوعات

التمر

قلّما تخلو موائد إفطار الصائمين من حبات الرطب أو التمر في رمضان، إن لم تكن هي أساسه، وتعتبر هذه التمرة الصغيرة، فاكهة وغذاء ودواء وشراباً وحلوى، إذ لها فوائد لا تعد ولا تحصى كما يقول خبراء التغذية، مقوية للبدن، ومعالجة لفقر الدم، وغنية بالمواد الغذائية التي يحتاجها الجسم، وخصوصاً للصائم بعد إمساكه عن الطعام والشراب يوماً كاملاً، وذلك لاحتوائها على سكريات طبيعية، ومعادن وفيتامينات، إلى جانب أقوال نبوية مأثورة، من بينها قوله عليه الصلاة والسلام «بيت ليس فيه تمر جياع أهله»، وإشارة إلى التمر في القرآن، كقوله تعالى: (ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً، إن في ذلك لآية لقوم يعقلون). النحل:67.

والتمور لها أنواع عدة، وألوان مختلفة، تنتشر بكثرة في وطننا العربي، فمن أنواعها الخلاص والسكري والبرحي والحلوة والسلج والصقعي والمكتومي والمنيفي ورزيز ونبتة علي وسلطان وعجوة المدينة والونانة وروثان وهلالية وغيرها.

ويقدم أجود أنواعها إلى الضيف عنواناً للكرم العربي وحسن الضيافة، فيما بعضهم في وقتنا الحاضر استعاض عنها بتقديم الحلوى التي يدخل في صناعتها التمر أحياناً مثل المعمول والكعك وغيره، ويتفنن آخرون في تقديم التمر بحشوات مختلفة من اللوز أو الطحينة أو البسكويت داخل ثمرة التمر بعد نزع نواتها، وتغطيتها بطبقة من دبس التمر الشهي.

وتشتهر مناطق سعودية بنوع من التمر يميزها عن غيرها، فمنطقة الأحساء مثلاً تتميز بالخلاص، وتشتهر الرياض بتمر السلج، فيما السكري تتميز به منطقة القصيم، ومن الغريب أن تمر السكري على رغم ارتفاع سعره في وقتنا الحالي، إلا أنه كان في الماضي طعاماً مخصصاً للبهائم، كما يقول بعض أهالي منطقة القصيم، أما ثمرة الحلوة والبرحي، فتتميز بها ربوع الجوف وحائل.

ويقول أحد المسنين من منطقة الرياض الذين يعشقون تناول التمر بكثرة، وممن كانوا «يكنزونه» بأنفسهم في الزمن الماضي، ويدعى أبوفهد «في مثل هذه الأيام موسم اشتداد القيظ، وبعد أن يتم صرام النخيل وجني التمور، يؤخذ من محصول التمور حصة تعد لعملية التخزين «الكنيز» حتى يكون التمر متوافراً في موسم الشتاء وطوال العام، لأنه مصدر غذائي مهم لجميع أهالي منطقة نجد في ذلك الوقت، إذ كنا نقوم بتلك العملية بأنفسنا في البيوت والمزارع قبل توافر مصانع تعبئة التمور، وأجهزة التبريد في الوقت الحاضر، ننتقي التمور المكتملة نضجاً، التي تكون نسبة الرطوبة فيها قليلة، أي تميل قشرتها إلى الجفاف، فهذا النوع يتناسب مع «الكنز» والتخزين، وكان السلج – نوع من التمر – مفضلاً لدى أهالي مدينة الرياض قبل 50 عاماً، مقارنة بمكانته في الوقت الحالي، الذي قل إقبال الناس على تناوله، سواء أكان رطباً أم تمراً».

وأشار إلى أن الأذواق تتبدل من عصر إلى آخر، ولكن في ذلك الوقت «تبدأ العملية بفرز التمر وتنقيته من الشوائب، ثم غسله بالماء بشكل سريع وخفيف، حتى لا يتضرر التمر، ثم ينشر في الهواء فترة زمنية قليلة، لا تتجاوز بضع دقائق، وبعدها يعبأ في أوانٍ كبيرة مهيأة للتمر على شكل قدور أو «تنك»، إذ يُرص التمر بداخلها بهذه الطريقة: يضاف تمر ثم يرص باليد في وسط الوعاء، وهكذا تكرر العملية حتى يمتلئ الوعاء، ثم يغطى ويوضع فوقه أحمالاً ثقيلة من الحجارة ونحوها، ليتم «تكنيزه وتضميده» بشكل جيد، حتى يصبح بعد فترة من الزمن، طرياً مستساغاً للأكل، وعلامة جاهزيته ظهور الدبس من التمر، وربما يوضع في التمر أثناء الكنز حبوب الشمر، التي تضفي نكهة محببة إلى بعضهم وذلك بحسب رغبة وذوق رب الأسرة».

ويوضح أبوفهد أن عملية تعبئة التمور وتخزينها مرت بمراحل عدة، «إذ كانت بدايتها بغرفة صغيرة مبنية من الطين تسمى «جصة»، ولها باب صغير من الخشب، يوضع فيها التمر ويرش بالقليل من الماء ويرص، وغالباً ما تكون وسيلة الرص أو الضغط أقدام الصغار من الأولاد أو البنات، وكذلك أيدي الكبار بعد تغطيته بقطع مصنوعة من الحصير، ثم توضع عليه الأحجار الثقيلة لتثبيت عملية الضغط ، ويحكم إغلاق هذه الغرفة المخزون بها التمر، كي يمنع الهواء من الدخول إليها».

وأكمل أبوفهد حديثه عن غرفة «الجصة»، «تتسع هذه الغرفة من 100 كيلوغرام إلى ألف كيلوغرام من التمر، وذلك بحسب اتساع الغرفة وحجمها، ولها فتحة صغيرة يخرج منها الدبس تسمى «مدبسة»، إذ يجمع الدبس الخارج من «الجصة» في وعاء، ويسقى به التمر مرة أخرى، حتى يمنحه طراوة ولمعانا وطعماً شهياً».

ويتذكر أبوفهد طعم التمر في ذلك الوقت «على رغم أن التمر كان يكنز يدوياً، والمواد المستخدمة في تخزينه بدائية، إلا أن له طعماً لذيذاً يفوق جودة وطعم التمور المعبأة حالياً في مصانع التمور، المغلفة بأكياس البلاستيك والمضغوطة بالحرارة».

وروى أن التمور في ذلك الزمن لا تفسد على رغم مرور الحول عليها، بل تظل محتفظة بجودتها وطعمها المميز، لكن مع التطور والطفرة الاقتصادية التي مرت بها البلاد، امتنع الناس عن هذه المهنة، وندر الآن من يقوم بعملية تخزين «كنز» التمر بنفسه، فمصانع التمور وتعبئتها منتشرة في أرجاء البلاد وأسواقها، وتتوافر بها جميع أنواع التمر، بأشكاله وألوانه وفي متناول الجميع».

المصدر: الحياة