الثاني من ديسمبر..شـــهادات على الفرحـة الإمـــــاراتيـــة الأولى

أخبار

سعدت «أقلام» بأن تكون شاهدة على تاريخ الثاني من ديسمبر عام 1971، والحلم الذي تحقق فيه، على ميلاد دولة الاتحاد، على الفرحة الأولى التي وقف فيها الآباء المؤسسون تحت ظلال العلم الجديد، معلنين للعالم قيام دولة الإمارات العربية المتحدة.

بمداد من الحماسة والمحبة، بارك أصحاب الأقلام الحلم الإماراتي، حتى من قبل اكتماله، وهو في مراحله النهائية، فكتاب مثل «اتحاد دولة الإمارات» لمؤلفه جان نانو، ظهرت طبعته الأولى قبل التاريخ المشهود: «الثاني من ديسمبر»، كأنه تدعيم للمسيرة، وتشجيع لها.

وتحتفي الصفحات، التي سجلت يوميات الاتحاد الأولى، بالمؤسس الباني المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وتعدّد مآثره وحكمته وبعض مواقفه، وقناعاته بالوحدة قبل زمنها الفعلي بكثير، إذ كان «زايد الخير» يرى أن الاتحاد هو سبيل القوة والخير معاً، لذا عمل مع إخوانه المؤسسين على إرساء قواعد وطن بهوية خاصة، ودولة اتحادية ولدت لتستمر، ولتقطع في عقود ما لا يقطعه سواها في قرون طويلة، وتهب السعادة لشعبها وللأشقاء ولشعوب الأرض جميعها، التي وجدت في «دار زايد» ما افتقدته في جهات مختلفة من العالم.

«رحلة العبور» و7 أصبحوا واحداً

يسرد الكاتب الصحافي سليم زبال رحلته مع الإمارات، إذ يعد نفسه شاهداً على المسيرة منذ «رحلة العبور من مشيخات متناثرة إلى دولة اتحادية متماسكة»، فالكاتب زار الإمارات للمرة الأولى في عام 1960، لإجراء استطلاع لمجلة العربي الكويتية، وتوالت زياراته واستطلاعاته عن الإمارات، وجمع كل تلك المشاهدات في كتاب بعنوان «كنت شاهداً».

استطلاع «العربي» بعد الاتحاد، جاء تحت عنوان «مولد دولة»، وتصدرت صفحته الأولى صورة الآباء المؤسسين في دار الاتحاد بدبي. وكتب سليم زبال: «7 أصبحوا واحداً، لقد واكبت (العربي) إمارات الخليج العربي منذ عام 1960، وكتبت عنها منذ أن كانت تجمعات بدوية صغيرة مبعثرة، إلى أن أصبح السبعة واحداً، والسبعة عشر صاروا ثمانية عشر، بانضمام الإمارات لجامعة الدول العربية».

ويضيف الكاتب: «في هذا العالم الجديد، لم يعد من المستساغ الاستمرار في الفرقة والانقسام… واجتمع الحكام وتعاهدوا على الاتحاد معلنين مولد دولة الإمارات». ويفصل زبال في كتابه جوانب من تلك الأيام التاريخية: «في الساحة الرئيسة لقصر الجميرة دوى التصفيق والهتاف بينما كان رئيس الاتحاد الشيخ زايد يرفع علم البلاد لأول مرة على السارية الرئيسية للقصر، وكانت المدافع تطلق 21 إطلاقة احتفالاً بالمناسبة. وهكذا كان يوم 2 ديسمبر 1971 هو يوم الاستقلال والانعتاق من الحماية البريطانية». ويركز الكاتب على بعض ما قام به «زايد الخير» بشكل خاص: «كان يعمل بجد، وهو يعي بأن الإمارات ولدت لتستمر.. وهي ليست سراباً ولا نسخة من اتحادات قديمة انهارت وتلاشت.. إنها دولة حية لن تموت. ليس بسبب ما فيها من النفط الذي يكفيها لحقبة طويلة قادمة بل لأنه أصبح فيها جيل كامل من شباب (زايد) الذين تشربوا من حكمته وسياسته وقيادته التي خلطت البداوة بالحداثة، فأنتجت حضارة جديدة فوق الرمال، وأعطت لشعب كان مبعثراً هوية إماراتية اتحادية موحدة.. عمّقت ورسخت في قلبه حب الانتماء لدولته الفتية.. دولة الإمارات العربية المتحدة».

معاصر لـ «مخاضات التأسيس»

الدبلوماسي نجم الدين عبدالله حمودي سجل شهادته عن المرحلة في كتاب «قيام دولة الإمارات العربية المتحدة.. مذكرات ودراسات»، فالرجل كان معاصراً للاتحاد، وعاش عن قرب «مخاضات التأسيس» وكيف تم العبور على التحديات، ويصف أحد الاجتماعات: «انعقد الاجتماع الأول لمجلس حكام الإمارات المتصالحة في الوقت المحدد في الساعة الحادية عشرة من صباح يوم السبت 28 فبراير 1970، وحضره جميع حكام الإمارات السبع والوفود المرافقة لهم، وكان الوفد المرافق لعظمة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم أبوظبي مؤلفاً من سمو الشيخ سيف بن محمد آل نهيان وعبدالله الطائي ونجم الدين حمودي، وقام عظمة الشيخ زايد بالدور الرئاسي في مناقشة تقارير الخبراء وإبداء ما يقتضي من توجيهات حول الأمور كافة، التي تهدف إلى إنعاش هذه المنطقة ورفع مستوى أهاليها».

ويرى حمودي (1924 – 1999) أن تجربة الاتحاد الإماراتية فريدة: «كنت على علاقة مباشرة بسير الأحداث التي رافقت قيام هذه الدولة الفتية، بالنظر لكون المهمة التي أوكلت لي مطلع خدمتي الرسمية بهذا الجزء العزيز من الوطن العربي مكتب شؤون الاتحاد في الديوان الأميري في أبوظبي، حيث عهد إليَّ بمتابعة شؤون الاتحاد والإعداد للاجتماعات والاحتفاظ بالوثائق الرسمية وتدوين القسم الأهم لمحاضر اجتماعات المجلس الأعلى والمجلس الاتحادي، واجتماعات نواب الحكام وبعض اللجان المنبثقة عن المجلس الاتحادي التي كان يمليها علي الأستاذ أحمد خليفة السويدي بعد حضوره للمشاورات التي جرت بين دبي وأبوظبي».

هدية الاتحاد

الكاتب جان نانو، من أوائل من وثقوا المسيرة، وأدلوا بشهادتهم – وكذلك أمنياتهم في الاتحاد الوليد – في كتاب بعنوان «اتحاد الإمارات العربية»، تعود طبعته الأولى إلى «1391 هجرية، الموافق 1971 ميلادية».

ويؤكد نانو، في مقدمة كتابه، أن الباعث هو تدعيم اتحاد إمارات الخليج العربي «من هذه القاعدة انطلقت – دار الإعلام العربي – لتحمل إلى قرائها في العالم كتاب اتحاد الإمارات العربية، بعدما جندت له طوال عام كامل من العمل المتواصل في مراجعة المصادر التاريخية والآثار القديمة والأبحاث العلمية يضاف إلى كل ذلك الدراسات الموضوعية التي جاءت معززة بالوثائق والمستندات المترجمة للمطامح الدولية في الخليج العربي». ويضيف المؤلف: «بين دفتي الكتاب نص المباحثات التي قام بها حكام الإمارات التسع (كان يتحدث عن الاتحاد التساعي الذي انضمت إليه قطر والبحرين) حول خطوة الاتحاد المنتظرة، بالإضافة إلى أوسع التحقيقات عن الحركة العمرانية الحديثة في المنطقة. وإذا كان لابد من هدية، فليكن اتحاد الإمارات العربية هدية دار الإعلام العربي إلى حكام وشعب الإمارات التسع في الخليج والعالم العربي».

ويتطرق الكاتب إلى شخصية المؤسس الباني الشيخ زايد، واصفاً الراحل بأنه «زعيم يتصف بالرجولة والإخلاص والحنكة والدراية والحرص على تطوير بلده وإسعاد شعبه وتوحيد منطقة الخليج العربي على أسس سليمة. وقد فتح البلاد على مصراعيها أمام أبناء الخليج، وخصوصاً لأبناء ساحل عمان على اختلاف مدنهم، وجعل لهم فيها حق العمل والمواطنة كأي فرد من أبناء أبوظبي». ويتابع بابو عن سمات الشيخ زايد، سارداً أحد المواقف: «إن مجلس الشيخ زايد مازال في جوهره مجلس الرجل بين أهله وعشيرته فلم تستطع هذه المظاهر أن تحجب حقيقة الرجل وبساطته ودماثته التي تتميز بطريقة استماعه للناس وإقناعهم، والذي يجري أنه عندما يجتمع الناس في مجلس عام فإن أصحاب المظالم من عامة الناس يتقدمون إليه واحداً بعد آخر فيستمع إلى شكاواهم.. ويصغي إليهم بكليته فلا يقاطع أحداً حتى ينتهي من حديثه.. وكان أن تقدم شيخ من عامة الناس طالباً الرأفة والرحمة لولده القاتل فاستمع الشيخ زايد للرجل وهو يلتمس العفو عن ولده فقال ماذا تطلب مني يا شيخ فوالله إنك لتطلب ما لا أملكه ولا أقدر عليه. أو تطلب مني أن أعفو عن قاتل؟ فهل أستمع إليك وأصم آذاني عمن يطالبون بالثأر لولدهم؟ ماذا أقول للثكالى واليتامى الذين حرمهم ابنك من حبيبهم وعزيزهم ومعيلهم؟… هذا حوار بين حاكم ومحكوم تتجلى فيه روح العدل والحق والإنصاف». وبكلمة بعنوان: القوة في الاتحاد يختتم المؤلف كتابه، مشدداً على ضرورة العبور على الخلافات، مضيفاً: «إن هنالك إجماعاً لدى أصحاب العظمة الحكام ولدى الرأي العام العربي في الخليج وكل وطن عربي، على أن الاتحاد لابد أن يتم ويتحقق على أحسن ما تصبو إليه الأمة العربية كلها».

المصدر: الإمارات اليوم