إدريس الدريس
إدريس الدريس
كاتب سعودي

“الحالم” العربي.. المخدرات الحلال

آراء

لم ينتكس العرب في مهاوي الرداءة والانهزام من قبل كما هو واقعهم المعاصر، ورغم تعدد الدلالات الظاهرة والباطنة على صدق هذا الأمر إلا أن التعلق بالأحلام وتأويلها أبرز هذه المظاهر، إن التعلق بالحلم وتعبيراته ومحاولة اعتسافها من قبل جمع من الدجالين والمتكسبين في هذا الحقل هو حالة من الانغماس في “المخدرات” الحلال التي لا يعاقب القانون متعاطيها، وقعت كثير من الأحداث في محيطنا نتيجة لتفسير عابر لحلم خاطف: ممثلاً تأويل الحلم الرؤيا هو الذي أوحى لمحمد بن عبدالله القحطاني أنه “المهدي المنتظر” وأن عليه أن يتقبل البيعة على هذه الرؤية في المسجد الحرام وقد رضخ محمد بن عبدالله لإيعازات جهيمان وخشي الإثم إن لم يستجب لهذا الاختيار الرباني “الحالم”، وهكذا وقعت حادثة الحرم وتعطلت الشعائر الدينية فيه حينا من الزمن فقط بسبب رؤيا!!

ومنذ زمن جهيمان والمهدي المنتظر لا زالت الأمة غارقة في الأحلام وتأويلاتها وقد صار لهذه الوظيفة نجوم يفسرون ويعبرون هاتفياً أو صحافياً أو عبر برامج متخصصة في التلفزيون، وصارت بعض القنوات تتكثف بواسطة هؤلاء المعبرين حين تنشر وتبشر بالمال والذرية والمنصب والوظيفة فيما يمكث الحالم مخدراً على جدار الوهم ومنغمسا في الاتكالية منتظراً وقوع البشارة.

كان الأولى ردع مثل هذه التوجهات التي شاعت في المجتمع وبين الأفراد وكان على الإعلام النزيه أن يمتنع عن الترويج لمثل ذلك بل كان الأحرى أن يتولى رجال الفكر والتربية نقد هذه الظاهرة ومحضها بعيداً عن الخشية أو الخوف ممن قد يتضررون من كشف الحقائق وكبت الأوهام.

وما زال الأمل قائماً في إشاعة الوعي وكشف التدليس الذي لا زال مستمراً وخاصة ما صار يتم توظيفه لصالح منظمات الخوارج والإرهابيين الذين أخذوا في تأويل أحلام المراهقين على نحو “جنسي” لينقادوا إلى الانتحار في عملية تفجير تكون هي جسر العبور إلى حضن “الحورية”!!

بدأ تعبير الأحلام في حرب أفغانستان واستمر ليصل إلى ما يحدث في اليمن والعراق وسورية، وهكذا تقاطر المراهقون الساخنون “جنسياً” ليفجروا أنفسهم في مجاميع بشرية “مسلمة” في اليمن والعراق وسورية، بما يعني أن القاتل “مسلم” وكذلك “القتلى” على آن هؤلاء “الأخيار” لم ينتحروا أو يستشهدوا بتفجير أو نحوه في مواجهة عدو محتل في إسرائيل مثلاً!! بما يشير إلى توظيف سياسي لهذه الأحلام وأماكن تأويلها وتفجيرها.

ومازال أكثر الانتحاريين الحالمين بالحور العين هم من شباب هذا الوطن بما يحيله إلى حالة من الكبت الجنسي الذي يتفجر باسترخاص حياتي عجيب!!

فما هو دور العلماء والمشايخ ورجال التربية وعلماء النفس في معالجة هذه الظاهرة التي تتفاقم بين شبابنا كما هو ظاهر في أخبار العمليات الانتحارية التي تقع حيثما يممت صوب مواقع الأحداث بإدارة احترافية من قبل مشائخ “الإنترنت” ومتحزبي القاعدة وداعش والنصرة.

فبعد كل حين تطالعنا الأخبار بقوائم جديدة لقوافل متجددة من السعوديين الانتحاريين، والعامل المشترك الذي يجمع هذه القوافل هو الحور العين والقائد المحرك لهذه المجاميع هو الحلم الذي يتم تعبيره من قبل قادة التنظيمات الإرهابية.
حرام جداً أن يذهب شبابنا سدى في محرقة الوهم دون أن نرى اهتماماً رفيعا من القطاعات المعنية لمعالجة هذه الظاهرة وإشباعها طرحاً ونقاشا للخروج بحلول رادعة وشافية لهذا الوهم الكبير.

المصدر: الوطن أون لاين
http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=22568