الدور الرقابي ومبدأ إبراء الذمة..

آراء

يطالب بعض أعضاء مجلس الشورى بتفعيل الدور الرقابي على الأداء الحكومي، وتأتي هذه المطالبة بسبب ضعف الأداء الرقابي بشكل عام في المجلس، وذلك لتقرير مبدأ إبراء الذمة الذي أطلقه خادم الحرمين الشريفين حفظه الله، على أنهم سيكونون مسئولين عن الإخفاق الحكومي وتعثر المشاريع، في ظل الصرف الحكومي الهائل في التنمية، ويكمن في مبدأ إبراء الذمة أهم خطوات الإصلاح في العمل السياسي، لكنه ينتظر الخطوة الأهم في تفعيل ذلك الدور الرقابي.

تنطوي فلسفة الرقابة على التحقق عمَّا إذا كان كل شيء يَحدث طبقاً للخطة الموضوعة من قبل الجهات التشريعية، وتطبيقاً للتعليمات الصادرة من الجهات العليا، وانسجاماً مع المبادئ المحددة، والتي من أهم أغراضها ومهامها الإشارة إلى نقاط الضعف والأخطاء التي تقع فيها الجهات التنفيذية، بغرض معالجتها، ومنع تكرار حدوثها، وفي نفس الوقت تكون بمثابة المرآة لمبدأ المحاسبة للمخالفين للتعليمات، وهو مبدأ سام، وتأخرت كثيراً تطبيقاته في التاريخ الاجتماعي السياسي عند المسلمين.

تعود فلسفة الرقابة في الغرب إلى إرث قديم في التاريخ الأوروبي، وبالتحديد إلى الحقبة الرومانية قبل الميلاد فيما يُعرف بمجلس الشيوخ، وقد كانت السلطة التشريعية والرقابية العليا في الجمهورية الرومانية التي نشأت عام 509 ق.م واستمرت حتى عند تحول روما إلى إمبراطورية علم 27 ق.م، بينما لم يعرف العرب قبل الإسلام نظام الدولة التي تحكم الأرض والبشر، وكانوا يتصرفون في حياتهم وفقاً لتقاليد توارثوها أباً عن جد.

تطور ذلك المفهوم إلى ما يُطلق عليه في الزمن المعاصر بالبرلمان أو مجلس هيئة تشريعية تمثّل السلطة التشريعية، وعادة ما يتكون من مجموعة من الأفراد الذين يُطلق عليهم اسم النواب أو الممثلين، ويكون التحاقهم بالبرلمان إما عن طريق الاختيار والانتخاب العام باستخدام الأساليب الديمقراطية، ويتم اختيارهم بواسطة المواطنين في الشعب المسجلين على اللوائح الانتخابية في عملية انتخاب أو اقتراع عام سري ومباشر، ويكون للبرلمان السلطة الكاملة فيما يتعلّق بإصدار التشريعات والقوانين، والبرلمان له ثلاث مهام هي التشريع والرقابة على أعمال الحكومة وتمثيل الشعب أمام الحكومة.

كان أول برلمان منتخب في تاريخ الغرب تم تأسيسه في إسبانيا في مملكة ليون في عام 1118، وفي أول كيان مسيحي ينشأ هناك بعد سقوط مملكة القوط الغربيين بعد الفتح الإسلامي لإسبانيا 718م، أي قبل 826 عام من الآن، وكان قريباً زمنياً وجغرافياً من أوج الحضارة الإسلامية، وكان ذلك الحدث بمثابة المفصل التاريخي الذي رجح كفة الحضارة المسيحية الأوروبية على الحضارة العربية الإسلامية، وذلك لما له من آثار إيجابية على الاستقرار السياسي والإصلاح الاجتماعي والاقتصادي، وتم استخدام مصطلح برلمان لأول مرة في المملكة المتحدة في عام 1236، وقد كان في السابق يتكون من مجموعة من المستشارين المقرّبين من الملك، لكنه تطور مع مرور الوقت ليصبح له الدور الأهم في استقرار المملكة التي لا تغيب عنها الشمس.

في الإسلام تعتبر الرقابة الربانية هي أساس الرقابة في الإدارة الإسلامية، وهي رقابة أزلِية ودائمة، مصدرها الله عزَّ وجلَّ، عكس الرقابة الوضعية، التي هي من صنع البشر، والتي كان يُنظر إليها بنظرة دونية، ومن أجل منحها الثقة الشرعية يربط الفقهاء شرعية أعضائها بدرجة إيمان الإنسان المسلم بالله وقدرته، وهو ما يجعل منها حكراً على رجال الدين، وذلك لصعوبة قياس درجات الإيمان في قلوب البشر، وفي ذلك الربط تغييب للقوي المدنية، على أنهم العامة أو الدهماء، وبالتالي تهميش دور المجتمع في أداء الدور الرقابي.

وبالرغم من إقرار المفهوم الرقابي من قبل رجال الدين، لم يكن هناك أثر تنظيمي لرقابة البشر على البشر في ثقافة المسلمين، لذلك استمر ربط مفهوم الرقابة بالبعد الأخلاقي الذي مضمونه الخوف من الله عزَّ وجلَّ، ومن يوم الحساب، وقد استمر هذا المفهوم في مختلف عصور حقبات التاريخ الإسلامي، وبعد الحقبة العثمانية حاولت بعض الدول العربية إخراج ذلك المفهوم من احتكار رجال الدين، ضمن سعيها في الانتقال نحو التحديث، لكنه مع ذلك لا زال يصطدم في تلك الدول بالسلطة ومصالحها الفئوية.

المصدر: الجزيرة السعودية