بعض من ملامح الشخصية المتطرفة..

آراء

كم تساءلت عن أسباب التطرف في بلادي، وهل له علاقة بالدين، أم أن التاريخ والجغرافيا والأنثروبولوجيا تلعب الدور الرئيسي في تكوين الشخصية المتطرفة، فالصحراء لا تنتج إلا الجفاف، والجفاف يرسم على وجه الإنسان قسمات قاسية، ويترك ملامح تفتقر إلى الابتسامة، وبرغم أن رسول الله عليه الصلاة والسلام حثّ على الابتسامة، (تبسمك في وجه أخيك صدقة)، يفتقر المجتمع إلى ثقافة الابتسام في الشوارع والملاعب والأسواق وفي طوابير المطار، وهو ما يعني أن التطرف في هذا المجتمع ليس له علاقة بالدين بشكل مباشر، بل بثقافة المجتمع وتقاليده وتضاريسه وتاريخه الاجتماعي، وبإرث الحرمان الذي لم يولد عبر تاريخه القديم إلا سلوك قطّاع الطرق في أزمنة مضت.

الشخصية المتطرفة التي تظهر في سلوك بعض رجال الدين في شوارع المدينة لها علاقة بذلك الإرث، وليس لها علاقة بأصول الدين، لذلك تحرص تلك الشخصية أن تبدو في أغلب الأحيان في هيئة عبوسة، إلا من رحم ربك، وقد يتعمد بعضهم في أن يخرج في مظهر رث، وبملابس قديمة، وأن يتعامل مع الناس بلغة قاسية وجافة، خالية تماماً من المفهوم السامي ( الدين المعاملة)، قد تصل في بعض الأحيان إلى الضرب بالعصا، ولا ينسى الكثير زمن انتهاك أبسط حقوق الإنسان في صور خارجة عن التحضر، من قبل بعض رجال الهيئة، وعند إعادة بعض من تلك المشاهد في الذاكرة وصلت إلى قناعة أن تلك الشخصية المتطرفة لم تخرج من أصول الدين، ولكن من ظلام الأزمنة الغابرة في عصور البؤس والجوع.

الشخصية المتطرفة في المجتمع لها علاقة بما حدث من انهيارات اقتصادية في زمن سوق الأسهم الشهير، والتي وصل فيها الطمع إلى الرغبة في اجتياز كل الحدود والأنظمة من أجل التلاعب وسرقة مدخرات الناس، وسلوك الجشع المنقطع النظير في تلك الكارثة، له جذور تمتد إلى سنوات الجفاف، وإلى ثقافة الغزو وقطع الطرق، وتعود إلى سنوات العطش والسير في الصحراء حافياً، وله علاقة بتلك الرغبة في الاستيلاء على كل شيء، وفي السعي نحو احتكار المنافع والوكالات التجارية، وإلى جمع أكبر ثروة ممكنة، وهل يملأ جوف بني آدم إلا التراب.

الشخصية المتطرفة تبدو واضحة في الإعلام الرياضي والملاعب السعودية، والحديث عن كرة القدم في بلادنا يتجاوز كل قيم الأخلاق الرياضية في العالم، وإن لم يصل إلى درجة العنف، لكنه أصبح مهيأ أكثر للوصول إليه، ومن بوادر سلوك العنف في المجتمع الرياضي، التحريض وإثارة الأحقاد والعبارات العنصرية، ويتجاوز ذلك إلى التشكيك أحياناً في الوطنية من أجل نصرة فريقه الكروي، وذلك لم يأت أيضاً عبثا، بل جاء من جذور تلك الشخصية، التي تمتد إلى عصور كانت الجزيرة العربية في وقتها تعيش في فوضى أخلاقيه إن صح التعبير لعدة قرون.

الشخصية المتطرفة في المجتمع تظهر ملامحها في الإدارة، وقد وصل التطرف الإداري إلى محاولة القضاء على معالم وطنية بارزة ومؤسسات كان لها السبق في إبراز مستوى المملكة على المستوي الدولي في مجالها، لكن مع ذلك يحاول سعادته أو معاليه أن يظهر سلوك التطرف الإداري عندما يحاول تحجيم تفوق ذلك الصرح العملاق عبر قرارات لا تخدم الوطن، ولكن ربما تخدم بعضا من رغباته الدفينة، والتي تعبر عن جذوره التي جاءت من أغوار نابعة من تكوينه النفسي، قد تمتد إلى عصوركانت تفتقر أدني مقومات الحضارة الإنسانية.

الشخصية المتطرفة ظهرت في أوجه الفساد التي عبرت عنها «نزاهة» في بعض تقاريرها المنشورة، وقد يكون الخافي أعظم، برغم من أن الوعظ الديني يكاد لا يخلو في حلقاته الدعوية عن الحث على الأمانة والنزاهة، ولكن مع ذلك تظهر أقصى درجات الدهشة على المجتمع عندما يكتشف أن الفساد المالي يكاد يقضي على ثروات الوطن، وعندما يقرأ عن العدد الهائل للمشاريع المتعثرة، وعن حراك المقاولات الذي لا يتوقف داخل بعض المؤسسات الرسمية، وكأن المسؤول عنها يعتقد أن يومه هذا في العمل، هو آخر أيامه في الوطن، وأن «اللي ما يأكل بيمناه ما يشبع!» ذلك بعض من ملامح الشخصية المتطرفة!

المصدر: الجزيرة