الصراع في آسيا… إلى أين؟

آراء

منذ انتهاء حرب فيتنام عام 1975، ورغم وجود بؤر توتر ساخنة على صعيد العلاقات الدولية في شرق آسيا فإن المنطقة حظيت بهدوء على صعيد علاقات الدول ببعضها بعضا ولم تشهد حروباً ساخنة أو توترات حقيقية. لكن في الآونة الأخيرة بدأت مظاهر الصراع الساخن تطل برأسها تدريجياً، فخلال الثلاث عشرة سنة الماضية منذ بداية القرن الحادي والعشرين لم تعد آسياً بحاجة إلى الهدوء فقط، ولكن الهدوء ذاته أصبح بالنسبة لدولها مسألة مستقبل. استقرار العلاقات بين الدول الآسيوية يعد مؤشراً على بزوغ نمط جديد من العلاقات الأكثر تطلعاً نحو مستقبل مشرق تكون فيه الدول قادرة على التنافس لكسب عقول وأفئدة أعضاء المجتمع الدولي الآخرين عبر الإقناع والتعاون المشترك وتبادل المصالح الحقيقية عبر الوسائل السلمية.

العلاقات الهادئة كانت مظهراً شائعاً بين دول آسيا لأن كبارها كانوا حريصين على ذلك، فالصين كانت تعمل على نهوضها السلمي، واليابان كانت تروج نفسها كقطر محبوب وقادر وذكي، وكوريا الجنوبية كانت تنشر مبادئ المد الاقتصادي الكوري الذي اكتسح الأسواق الآسيوية بسرعة رهيبة. كان إعلام أولئك الآسيويين الكبار يركز على الهدوء والسلام العالمي واحترام الدول لسيادة بعضها والتبادل التجاري والاقتصادي الذي يحقق مصالح الجميع. وعملت مراكز البحث على مناقشته وتقديم مشاريع متكاملة حول أهمية العلاقات السلمية بين دول المنطقة. وقام الباحثون ودور النشر بإصدار الأدبيات المتنوعة التي تخاطب السياسيين والأكاديميين ورجل الشارع العادي حول أهمية السلام بين الدول.

لكن دوام الحال من المحال، حيث يمكن ملاحظة أن مشهد العلاقات بين دول آسيا آخذ في السخونة حتى بالنسبة للمراقب المبتدئ، ومعظم النقاشات فيها تركز على العلاقات الساخنة وإمكانية نشوب الحرب.

ويعيد الكثير من المحللين ذلك إلى أن محور تلك السخونة يكمن في الصين التي أصبحت متشددة في تحقيق مصالحها الخارجية مع جيرانها شرقاً وغرباً. ويبدو بأن التنين قد أفاق من سباته العميق، والكل يعلم بأن الأسطورة تقول بأن التنين يتنفس ناراً وينفث ناراً. وبالنسبة لجميع دول شرق آسيا تعتبر تحركات الصين في دعم مطالبها الحدودية عن طريق استخدام القوة شأناً جديداً حيث درجت الصين مؤخراً على الاستعراض بالتلميح باستخدامها، سفنها الحربية كي تجوب المياه المحيطة بها في المناطق المتنازع عليها مع اليابان في بحر شرق الصين، حيث تسيطر اليابان على جزر «سينكاكو» و«دياييو» ما يُعد تحدياً سافراً لليابان. وتوجد أيضاً توترات بين الصين والفلبين في بحر الصين الجنوبي.

هذه التوترات والحوادث تشير إلى أن شرق آسيا فقد هدوءه المعتاد بين دوله، لأن الصين بدأت في التململ والتحرك العنيف على غير عادتها طوال السنوات الماضية منذ نجاح الثورة الشيوعية فيها، وبأن هذه التحركات هي طبيعة الدول الحقيقية عندما تشعر بقوتها تجاه الآخرين، فما الذي يخبئه المستقبل لهذه المنطقة؟ وهل يمكن لدول كاليابان وكوريا الجنوبية أو حتى الفلبين مستقبلا أن تسكت تجاه ما تفعله الصين تجاهها؟

منطق العلاقات الدولية يقول عكس ذلك، فعنف دولة تجاه الآخرين يولد العنف المضاد من قبلهم أيا كانت تجليات ذلك العنف المضاد. ورغم أنه إلى الآن تبقى المواجهات في صيغ محدودة حيث تتحدى القطع البحرية بعضها بعضاً عن طريق عمليات استعراض القوة فقط، وصيغ المطالبات الحدودية الشفهية والتحذيرات والمطاردات الدورية الاعتيادية دون إطلاق النار المدمر، إلا أن مخاطر تحول تلك الحوادث إلى عنف حقيقي أو صراع مسلح تبقى قائمة وحقيقية.

المصدر: الاتحاد