د. علي الطراح
د. علي الطراح
حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة متشجن الأميركية في عام 1984 . عمل مستشاراً ورئيساً للمكتب الثقافي لسفارة دولة الكويت في واشنطن 1989-1992 ومستشاراً إعلامياً ورئيس للمكتب الإعلامي في سفارة دولة الكويت في واشنطن 1992 - 1995 . عميد كلية العلوم الاجتماعية، وأستاذ علم الاجتماع بجامعة الكويت .

الطائفية… التحدي الكبير

آراء

لعلنا نتردد كثيراً في طرق باب الطائفية التي ظهرت بقوة في المنطقة العربية، وتزداد شراسة كما يتوقع لها، ونحن في دول الخليج العربي لم نعرف الفوارق الطائفية، وقد لا نشعر أساساً حتى بالانتماء المذهبي لمن نجالس لأنه لا يعنينا نهائياً. واليوم تخرج الطائفية بشراسة وكأنه مقدر للمنطقة أن تدخل في صراع مدمر ومنهك لمجمعاتنا العربية والخليجية. لماذا حدث ما حدث؟ بكل بساطة الورقة الطائفية صعدت في فترة زمنية تاريخية ارتبطت بنهوض القومية العربية، واعتبرها البعض تهديداً لمن ينتمي للأصول غير العربية، وحدثت تجاذبات في هذه الحقبة التاريخية.

واليوم تخرج علينا الطائفية وتهدد أمن المنطقة الخليجية دون أن نحاول أن نقف وقفة تأنٍّ وتأمل لمعرفة لماذا يحدث ما حدث؟ وماذا علينا أن نفعل؟ بكل تأكيد كل مجتمعاتنا الخليجية لديها المكونات المذهبية المتعارف عليها، وهي أحياناً مرت بفترات شد وجذب، إلا أنها لم تصل إلى مرحلة مواجهات دامية. ولعلنا نتذكر الحرب العراقية الإيرانية إلا أنها أيضاً لم تفرز لنا الأمراض الطائفية، ولم يحدث انحياز مثلاً من قبل شيعة العراق للدولة الإيرانية، والتفسير الوحيد كان غلبة الانتماء العربي على الانتماء المذهبي. وهذه الصورة لم تستثمر بشكلها الفعال، وأهملنا مثل هذه الأمراض حتى وجدنا اليوم من يطالب بتقسيم المناصب الوظيفية وفق الطائفة، مما يدخلنا في نظام المحاصصة كما هو حادث في لبنان مثلاً، وهنا تكمن الخطورة التي تشكل إحدى أهم الركائز لزعزعة الاستقرار.

نحن نقول للمجالس أسرار، وهي أمانات كما يقال، وأحياناً نخرج ببعض ما يدور فيها لأخذ جوانبها الإيجابية دون التطرق بالضرورة لطبيعة أطراف المحاثة. قلت ذات مرة لصاحب دعوة كريمة للمشاركة في احتفالية إن بلاده وهي دولة كبيرة تحمل الإسلام معها، ولا يمكن أن تنسلخ عن الإسلام، إلا أن ملاحظتي الشخصية أنكم لم تبذلوا من الجهد لاحتضان كل الشتات المذهبي، وربما أتاح ذلك للبعض الفرصة ليقول إنها تمثل نموذجاً إسلامياً واحداً. وبتراكم مثل هذه الملاحظات ربما تركتم الفرصة للبعض الآخر ليقول إنهم يمثلون الشيعة، بينما الحقيقة التاريخية هي أن الشيعة هم من أصول عربية بالدرجة الأولى، ومن ثم فإن الدخول في منافسة وتنازع على من يمثل الأمة الإسلامية له أسبابه التي أغفلتموها. الجميل أن ما قلته وجد القلب الكبير ودار الحوار حول بعض أوجه القصور المدني في توضيح مثل هذه القضايا.

وفي اعتقادي أن علتنا الكبيرة في فشل نظمنا التعليمية لأننا لم نعطِ التعليم قيمته الفعلية، وحصرنا فهمنا له بحشو المناهج والتأهيل للوظيفة، بينما جوانب صقل الشخصية الوطنية وغرس القيم المشتركة لم تكن من أولوياتنا. ولذا فنحن بحاجة إلى شعور الفرد باعتباره جزءاً من المجتمع وشريكاً في بنائه، وطالما أننا لا نلامس جذور الأزمة فالوضع قد يبقى على ما هو عليه. فلماذا لا نتحاور في مثل هذه الثغرات ونناقشها بكل موضوعية؟ ولماذا لا نفكر في المشترك بيننا ونعي أن المواطنة هي القاعدة العامة التي يجب أن ينطلق منها تعليمنا، وأنه لا فائدة من تعليم يخرج لنا أفواجاً مشوهة العقول، محدودة التفكير، منطوية على نفسها، ولا ترى حياتها ومستقبلها إلا من خلال انتمائها الفرعي. بينما انتماءاتنا الفرعية يجب أن تفهم ضمن قاعدة المواطنة، وإلا فنحن نتجه نحو الهاوية.

المصدر: الاتحاد