عثمان الخويطر
عثمان الخويطر
نائب رئيس شركة أرامكو سابقاً

الطاقة الشمسية .. المسار الصحيح

آراء

سؤال المليون، ما الشيء الذي ينقصنا حتى ندخل في ميادين صناعة الطاقة الشمسية الفسيحة؟ أو بالأحرى، ما الذي يمنعنا من ذلك؟ والفوائض المالية جاهزة للاستثمار. وشبابنا المتعطش للعمل، وهي مصدر متميز للوظائف، عاطل عن العمل. أجواؤنا، مثل غيرنا ممن يستخدمون المواد الهيدروكربونية بشراهة شديدة، ملوثة بنواتج الاحتراق المضرة بالصحة. والطاقة الشمسية نظيفة. أرضنا واسعة، بل هي الأرحب بين جميع بلدان العالم لاستقبال أعداد كبيرة من مرايا وخلايا توليد الطاقة الشمسية. ونحن نحرق سنويا مئات الملايين من براميل النفط لتوليد التيار الكهربائي. ونصرف المليارات من الدولارات من أجل إنشاء عدد من المرافق التقليدية لتوليد الطاقة الكهربائية خلال وقت قصير، أي لبضع ساعات، أثناء وقت ذروة الاستهلاك الذي يصادف وسط النهار، وهو ذروة عطاء الطاقة الشمسية. فلو أننا أنشأنا محطات توليد التيار الكهربائي بواسطة مرافق الطاقة الشمسية والرياح لاستطعنا توفير مبالغ كبيرة ولحصلنا على وظائف إضافية لشبابنا. والحاجة إلى تغطية الذروة ستستمر لسنوات طويلة، دونما حاجة إلى تخزين الطاقة الشمسية خلال العشر أو عشرين سنة القادمة. هذه حقائق وليست أوهاما. ولعلنا نضيف إلى تلك المزايا والمحفزات ظاهرة إيجابية نادرا ما تحدث في عصرنا الحاضر. وهي الانخفاض المستمر منذ عشرات السنين لتكلفة إنشاء مرافق توليد الطاقة الشمسية، حتى وصلت إلى مستويات جعلتها تنافس جميع مصادر الطاقة الأخرى في عقر دارها. ولو استخدمنا المنطق، لاستطعنا التنبؤ بأن أسعار التكلفة ستستمر في الانخفاض حتى تصل إلى مستوى يجعل الطاقة الشمسية الأفضل بين المصادر الأخرى. من شبه المؤكد أن تكلفة الطاقة الشمسية ستنخفض إلى ثلاثة سنتات للكيلو واط ساعة بحلول عام 2020. وإذا تظنون أن ما ذكرناه آنفا هو مجرد إعادة لما كتبناه في مقالات سابقة أكثر من مرة، فقد صدق ظنكم. ولكن ليس المهم ملل الترديد والإعادة، فأهم من ذلك عدم الاستجابة.

نحن نعمل بكل اهتمام وجدية لإنشاء ملاعب الكرة، ويتم التنفيذ في خلال زمن قياسي. وليس لدينا اعتراض على ذلك، فهو أمر مطلوب، وهناك من ينتظرون وجود مثل هذه المرافق الترفيهية. ولكن ربما علينا أيضا ترتيب الأولويات، حسب الحاجة والأهمية. وقد قطعنا شوطا طويلا في ما يتعلق بدراسة مستقبل الطاقة النووية في بلادنا، وهي مشاريع مرادفة للطاقة الشمسية المتجددة. ولا خلاف على أهمية استخدام الطاقة الذرية لتوليد التيار الكهربائي كحل لأزمة توليد الطاقة الكهربائية وتوفيرا لمشتقات السوائل النفطية. ولكن أيهما أولى بالأولوية؟ الطاقة النووية، عالية التقنية والتكلفة والمحفوفة بالمخاطر الكارثية، أم الطاقة الشمسية المسالمة والنظيفة؟ إنشاء المحطات النووية يستغرق معدل عشر سنوات، وفي الغالب تحدث خلال هذه المدة متغيرات قد تقود إلى زيادة قيمة عقود تكلفة الإنشاء. ومدة بناء مرافق الطاقة الشمسية لا تزيد على سنتين. وهل يختلف اثنان على أن جاهزيتنا للتعامل السليم ولو جزئيّا، فنيّا وإداريّا مع المرافق الذرية، ستستغرق عشرات السنين؟ وهو ما يعني بقاء تشغيل وصيانة تلك المرافق تحت إدارة ورعاية أيدٍ أجنبية لمدة تربو على 20 إلى 30 عاما. فقد كان تعليم وتدريب وتأهيل مهندسي البترول تأهيلا كاملا، من بدء الدراسة الجامعية يستغرق أكثر من 15 عاما. وشتان ما بين متطلبات عمليات إنتاج النفط والتعامل مع التقنية النووية. فحوادث مرافق النفط لا تتعدى عادة حدود السور المحيط بالمعمل. أما حوادث المرافق النووية، لا قدر الله، فقد تحيط إشعاعاتها القاتلة بمدينة كاملة وربما تتعدى الحدود إلى البلاد المجاورة، وآثارها تبقى لسنوات طويلة. ومن المؤكد أن ذلك لا يؤخذ في الاعتبار عند دراسة الجدوى الاقتصادية للمصادر النووية. ولا نود الدخول في موضوع كون اليورانيوم، وهو مصدر الوقود النووي، سلعة استراتيجية نادرة وقابلة للاحتكار والضغوط السياسية، وهو عكس الطاقة الشمسية التي تستمد وقودها من شمس رب العالمين دون مقابل.

ولعله من نافلة القول التذكير بأن تحديد الجهات المنوط بها تنفيذ مشاريع الطاقة الشمسية يحتاج إلى لفتة من ولاة الأمر من أجل تحديد المسؤولية. وقد يكون غياب مثل هذا التوجيه من أهم أسباب تأخرنا في هذا المجال. ونامل أن يكون المخطط العام لمستقبل الطاقة الشمسية يشمل إنشاء وتوطين صناعة متكاملة، يكون المواطن هو العنصر الأساس فيها. ولا يسعنا إلا أن نلفت نظر مسؤولي التخطيط الاقتصادي في بلادنا إلى أن توليد الطاقة الشمسية هو من أفضل مشاريع تنويع الدخل الذي لا يعتمد على الدخل النفطي، ومردوده المالي مباشر. وربما أن الأنسب هو فتح المجال للشركات الوطنية بأن تدخل فرادى أو مجتمعة في شراكة مع شركة الكهرباء لتوليد الطاقة الشمسية تحت إشراف المؤسسات المعنية في الدولة وضمان أن تكون الأيدي العاملة وطنية من التصنيع إلى الإنشاء والتشغيل. وهذا سيكون مكسبا للاقتصاد الوطني وقدوة لشركات التصنيع والتصدير.

المصدر: الاقتصادية