الطلاق المبكر.. شباب مدينون ومطلقات بالعشرينات وأطفال مضطربون نفسياً

أخبار

حذر استشاريون أسريون من تأثير ظاهرة الطلاق المبكر في المجتمع، لما تخلفه من شباب يعانون ديوناً تكبدوها في التجهيزات للعرس وتأثيث منزل الزوجية، فضلاً عن مصروفات الطلاق، كما ينتج عنها فتيات في العشرينات من عمرهن يحملن لقب مطلقات، وتكون المشكلة أسوأ حالاً إذا كان هناك أطفال، لأن انفصال الأبوين قد يجعلهم مضطربين نفسياً.

وطالبوا باشتراط حصول الشباب والفتيات قبل عقد القران على شهادة تفيد بأهليتهم لبناء أسرة، إضافة إلى إخضاعهم لتدريبات ومحاضرات نفسية واجتماعية حول أسس إدارة الحياة الزوجية.

وحسب هيئة القضاء ــ أبوظبي، فإن 33% من حالات الطلاق بين المواطنين في الإمارة العام الماضي، تمت خلال العام الأول للزواج.

وتفصيلاً، قال مستشار الشؤون الأسرية والزوجية، المحاضر في صندوق الزواج، الدكتور عبداللطيف عبده العزعزي، إن معظم مشكلات الأزواج الشباب ناتجة عن أنهم غير مؤهلين لبناء أسرة وتحمل مسؤوليات الحياة، بسبب قلة الوعي وعدم إدراك المفهوم الصحيح للحياة الزوجية.

وأضاف أن «من أبرز أسباب الطلاق المبكر، عدم التفاهم بين الزوجين، وتلقي المعلومات من الأشخاص الخطأ، والتجارب الأسرية السابقة غير الناجحة، وبيئة التنشئة غير المستقرة، والنقص الكبير في مفاهيم واجبات الزوج والزوجة»، مشيراً إلى أن قصر عمر الزيجات يظهر خللاً في أسس التربية والتنشئة عند الأزواج.

وتابع العزعزي: «المشكلات لا تتوقف عند حد الطلاق، بل إنها تبدأ، حيث تؤثر هذه التجربة الفاشلة في حياة الطرفين، خصوصاً الزوجة التي قد ترفض الزواج مرة أخرى خوفاً من تكرار الفشل، وبعضهن يعتقدن أن الزواج تقييد للحريات، ويفضلن لقب مطلقة عن الارتباط مرة أخرى، كما يعاني الطرفان الشك والقلق الدائم».

وأكمل: «يعاني الأزواج المطلقون كُلفة مالية كبيرة ترتبت على الزواج والطلاق السريع، أغلبها يكون ديوناً بنكية لتجهيز متطلبات الزواج الذي لم ينعموا به»، موضحاً أن «أكثر المتضررين من حالات الطلاق هم الأبناء، الذين يتربون في جو يسوده عدم الاستقرار، ما يترتب عليه خلل نفسي يصاحبهم مدى العمر، ويظهر عليهم في سلوكياتهم ومستواهم الدراسي».

الإعلام السلبي

وأشار العزعزي، إلى أن تكرار حالات الطلاق المبكر دفع زوجات إلى استخدام وسائل منع الحمل في العام الأول من الزواج، خشية الانفصال، وعلى النقيض أصبح كثيرون من الشباب يتخطون سن الـ30 من دون زواج، وتفضيل الوحدة على الزواج والطلاق السريع، وتمضية بقية العمر في سداد الديون المترتبة على التجهيز للزواج أو دفع مصروفات الطلاق.

ولفت إلى أن الإعلام لعب دوراً سلبياً جداً ساعد على زيادة أعداد المطلقين من خلال بث الشك في نفوس الشباب عن طريق البرامج والمسلسلات التي تدور كلها حول الخيانة الزوجية، مطالباً بزيادة برامج التوعية واستثمار التجارب الأسرية من حالات الزواج الناجحة، وحث الجهات المعنية على تتبع المتغيرات الاجتماعية التي تؤثر سلباً في العلاقات الزوجية، وربط الزواج بالحصول على رخصة نفسية واجتماعية تؤكد أهلية الطرفين لتكوين أسرة، لأن الزواج في أساسه قائم على الاستقرار الأسري.

المناهج الدراسية

فيما ذكرت المستشارة الأسرية، موزة سعيد، أن معظم الزيجات الحديثة تفتقد إلى التوافق، وتعتمد على ترشيحات الأهل والأسرة أو القرابة، وينقصها التكافؤ سواء العلمي أو الاجتماعي أو المادي، لافتة إلى ضرورة الاستفادة من المناهج الدراسية في المراحل المبكرة وتضمينها دروساً تدعم البناء الأسري المستقبلي مع الاستعانة بمختصين من ذوي الخبرة عند إعداد هذه المناهج.

وأضافت أن معظم الزوجات موظفات، وتالياً لديهن شعور بالاستقلالية يدفعهن إلى معاملة أزواجهن بندية، وهو ما يرفضه الرجال بطبيعتهم، فتبدأ المشكلات منذ الشهر الأول للزواج، وتتولد داخل الزوجة كراهية للحياة الزوجية لإحساسها بأنها تكبت حريتها. وطالبت سعيد، بتفعيل وتقوية الإرشاد الأسري في المحاكم، وعدم التساهل في الموافقة على طلبات الطلاق بمجرد تأكيد الطرفين رغبتهما في الانفصال، والعمل بقوة على إصلاح الحياة الزوجية وترميمها، لافتة إلى أن الأطفال هم أكثر من يتحملون تبعات الطلاق، ويصبحون مشتتين وعدوانيين وفاقدي الانتماء للمجتمع.

شهادة

من جانبها، أكدت خبيرة المشورة الأسرية في صندوق الزواج، عائشة الحويدي، أن المجتمع الإماراتي أصبح يعاني كثرة الأسر المفككة بسبب أشخاص غير مسؤولين، لا يعرفون عن الزواج ومسؤولياته شيئاً، والنتيجة تكون أبناء مدمرين نفسياً، مشددة على ضرورة تكاتف الجهات ذات العلاقة مع الأسرة، لمساعدة الأزواج على التفاهم والاستقرار، وتطبيق برامج توعوية للمقبلين على الزواج ، وإلزامهم بحضورها، والحصول على شهادة بذلك كشرط لعقد القران.

ولفتت إلى ضرورة إنشاء جهة رسمية تتبع الجهات المختصة لإصلاح ذات البين، لوجود آثار كبيرة تقع على المجتمع بسبب الطلاق، وأن يكون لها في كل إمارة لجان للصلح وإقناع المطلقين باستئناف حياتهم الزوجية، والاستفادة من حملات صندوق الزواج وبرامج التوعية، التي ساعدت كثيراً على نشر مفاهيم الحياة الزوجية القائمة على أساس الحوار والتفاهم، وتشجيع الوالدين على الالتحاق بدورات عن كيفية إعداد أبنائهم للحياة الزوجية، مشيرة إلى أن عدم التكافؤ الاجتماعي والثقافي بين الزوجين، وضعف الوازع الديني، من أهم أسباب الطلاق.

تبادل الاتهامات

فيما تبادل مطلقون ومطلقات التقتهم «الإمارات اليوم» عبر محامين لهم، فضلوا عدم ذكر أسمائهم، الاتهامات حول مسؤولية إفشال الزيجات والوصول بها إلى الطلاق في أقل من عام، إذ أكدت المطلقتان «ح. علي»، و «ن. جمعة» أن زوجيهما السبب في الطلاق، بسبب عدم إدراكهما لمفهوم الحياة الزوجية والاستقرار واستمرارهما في سلوكيات حياة العزوبية من السهر الدائم، والتواصل مع فتيات عبر مواقع الدردشة، والشك الدائم، إضافة إلى العصبية والشجار من دون سبب. فيما أشار شاب طلق حديثاً يُدعى (ح .عبدالله)، إلى أن سبب طلاقه يعود إلى إهمال زوجته للمنزل وخروجها الدائم للتسوق، وإمضاء طوال الوقت في متابعة حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وتدخل أسرتها في حياتهما.

أضرار نفسية

وقال أخصائي الطب النفسي، الدكتور أحمد موافي، يتعرض الأطفال الذين ينشأون بعيداً عن الأب أو الأم، للعديد من الأطوار السلوكية عبر مراحلهم العمرية، وتختلف الحالات باختلاف شخصية الفرد والفترة العمرية التي وقع فيها الطلاق، مشيراً إلى أن هؤلاء الأطفال يعانون مشكلات نفسية تلازمهم حتى الكبر، وتؤثر في حياتهم واختياراتهم في المستقبل.

وأشار موافي، إلى أن الطلاق المبكر يُعد مشكلة نفسية اجتماعية ويرجع سببها غالباً إلى غياب التكافؤ بين الطرفين، وسوء اختيار أحد الطرفين للآخر، أو أن أحد الطرفين تظاهر بشخصية بعيدة كل البعد عن شخصيته الحقيقية، وهو سلوك نفسي سلبي ينتهجه كثير من المقدمين على الزواج ويؤدي في النهاية إلى الطلاق السريع، وتترتب عليه أضرار نفسية بالغة للطرف الآخر، وللأطفال في حال حدوث حمل في بداية الزواج.

من جهتها، قالت الدكتورة مي السيد، (طبيب عام): إذا حدث الطلاق والطفل لايزال رضيعاً يتعرض في الأغلب إلى تأخر في النطق، ويعاني شعوراً بالغربة، وتراجعاً في النمو، وانخفاض القدرة العقلية والتحصيل المعرفي، والشعور الدائم بالحزن والعزلة، كما أن أبناء المطلقين في مرحلة المراهقة يعانون غضباً عارماً قد يدفعهم إلى سلوكيات عدوانية، أو الحزن والكآبة، أو زيادة في الاندفاع وكثرة الشكاوى والخوف، والشك الدائم وينتقلون من سلوك إلى آخر بشكل سريع ومفاجئ.

إحصاءات

وكشف إحصاءات رسمية أصدرتها هيئة القضاء ــ أبوظبي، أخيراً، أن 33% من حالات الطلاق بين المواطنين في أبوظبي العام الماضي، تمت خلال العام الأول للزواج، كما أن هناك 1139 طفلاً مواطناً من ضحايا الطلاق في العام نفسه، لافتة إلى أن 75% من المطلقين ليسوا أقارب، و64% من الزوجات المطلقات لديهن شهادة الثانوية العامة أو أقل، في ما لم يتخطَ 35% من المطلقين سن الـ 30 عاماً، مقابل نحو 50% من المطلقات تحت سن الـ 30.

المصدر: الإمارات اليوم